
أحمد صابر عباس – باحث في الأمن الدولي بجامعة بكين والمتخصص في استخبارات المصادر المفتوحة
الأجواء مشحونة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعبر الصحفيون العسكريون الروس عن استيائهم من القيود الجديدة المفروضة عليهم من قبل الكرملين. يتذكر الجميع كيف منعت روسيا في حرب الشيشان الثانية الصحفيين من الدخول إلى ساحات المعارك، مما أدي لإنشاء جهاز عسكري خاص بهدف إدارة العمليات العسكرية بكفاءة، دون أخطاء إعلامية.
ما سبب هذه القيود الجديدة التي يفرضها الكرملين على الصحفيين العسكريين؟
إن تكرار هذا السيناريو الآن في أوكرانيا يشير إلى قلق الكرملين بشأن الوضع الإعلامي للجنود الروس في الميدان. قد يكون هناك توجه لاستخدام أساليب حرب غير تقليدية لتحقيق الأهداف العسكرية، مما يجعل التغطية الصحفية غير مرغوب فيها. كذلك، يبدو أن القادة العسكريين غير راضين عن انتقادات بعض الصحفيين، ويبدو أنهم يسعون لتسليط الضوء فقط على إنجازاتهم دون الإشارة إلى الأخطاء التكتيكية الميدانية.
تصاعدت الانتقادات من الصحفيين الروس في الآونة الأخيرة بعد تراجع القوات الروسية من مناطق في جنوب وشرق أوكرانيا، وهو ما أثار تساؤلات حول الاستراتيجية العسكرية لطريقة تعاملهم مع الهجمات الأوكرانية. المناظرات حول تموح القوات العسكرية وأثرها على المعلومات المتاحة تشكل مركز المناقشات الحالية.
إذا نظرنا إلى التاريخ العسكري الروسي، يمكن أن نرى أن المشكلات في الحروب السابقة كانت دائمًا مرتبطة بفقدان السيطرة ومعاناتهم من مفاجآت غير متوقعة من القوات المعادية. في حرب الشيشان الأولى، أثبتت الاستراتيجية الروسية في نشر المعلومات ضعفها من الناحية التقنية والنفسية.
خلال الحرب الأولى، تم إعداد الشيشان جيدًا، حيث استغلو الخنادق لصالحهم، مما جعل الجنود الروس عرضة للإحباط الناتج عن الشائعات التكتيكية. واستطاعوا عبر توثيق انطباعاتهم كسب الدعم من المجتمع الدولي.
لكن في حرب الشيشان الثانية، تعلم الروس الدروس من الماضي، واستغلوا نقاط الضعف في صفوف القوات الشيشانية واستثمروا في تحسين قدراتهم على استخدام القمر الصناعي والاتصالات الحديثة، بالإضافة لتكثيف حملات الدعاية لكسب دعم الشعب الشيشاني.
تكرار السيناريو ولكن بقدرات جديدة
في الحرب الأوكرانية، تخطت أوكرانيا كل التوقعات من ناحية التقنية من خلال استخدامها الكثيف للطائرات بدون طيار، مما أعاق عمليات السيطرة الجوية الروسية. هذه الطائرات أثبتت فعاليتها وقدرتها على تحدي الأساطير المحيطة بالمقاتلات الشبحية، وأثرت بشكل كبير على العمليات الجوية.
كما توضح المعلومات الاستخبارية تفوق أوكرانيا في ساحات القتال، حيث تمكنت من توثيق جرائم حرب روسية في عدة مناطق، مما يعكس تراجعًا يشبه ما حدث في الشيشان.
كيف يمكن تحسين العمليات التكتيكية الروسية؟
لقد بدأ الروس باستخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية كجزء من جهودهم للتعويض عن ثغراتهم في الميدان، وبدأت هذه التكتيكات حديثًا تظهر بعض النجاح. في الأيام الأخيرة، تمكنوا من توجيه الطائرات إلى أهداف أوكرانية، مما يظهر بعض التحسن في الوضع الاستخباراتي الروسي. الهجوم الأخير من قبل قوات PMC Wagner في منطقة زايتسيفو يوضح دخول القوات الروسية إلى مواقع الأعداء بعد تنفيذ مهام استطلاعية جوية رغم صعوبة التضاريس.
تُعتبر الغابات الكثيفة عائقًا كبيرًا أمام عمليات الاستطلاع. تأثيرات القمر الصناعي Starlink ظهرت بشكل واضح بعد تدمير مكرر الموجات، مما أدى إلى استهداف القوات الأوكرانية لموقعها في توريتسك بسبب فقدان الاتصال بين الوحدات العسكرية. هذه الأحداث تضع الروس في موقفٍ إيجابي، وقد تشير إلى تحسين عملياتهم المعلوماتية والاستخباراتية مع مرور الوقت.
مع ظهور الأيام القادمة، قد نشهد تطورات جديدة في ساحة القتال الروسي، حيث تدرك القوات الروسية أن أوكرانيا تسعى لامتلاك أكبر قدر ممكن من الأراضي قبل حلول الشتاء. ورغم الصعوبات، فإن استعادة روسيا للتقدم كما حدث في حرب الشيشان الثانية لن تكون بنفس السهولة. الوضع الأوكراني يُعد من بين الأكثر تعقيدًا، خاصة مع استمرار تدفق الأسلحة الأوروبية والدعم الاستخباراتي لأوكرانيا، مما يمنح الأوكرانيين أفضلية ملحوظة.
قد قام الأوكرانيون بتنفيذ خطط هجومية في بيلغرود، حيث استهدفوا المحطة المحلية لتوليد الطاقة، حسبما أكد فياتشيسلاف جلادكوف، الحاكم المحلي، بالإضافة إلى تدمير معدات روسية.
من الواضح أننا أمام أشهر أو حتى سنوات من الخداع الاستخباراتي، حيث ستحدد النتائج واحدة من الدولتين كفائزة في ساحة المعركة. يعتمد ذلك على تطوير استراتيجيات الحرب المعلوماتية، والتي ينبغي أن تتضمن أساليب جديدة للخداع لاستخدامها في تنفيذ الضربات التكتيكية والحصول على تفوق استراتيجي.





