أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

تأثير الابتكارات التكنولوجية على مجريات الصراع الروسي الأوكراني

ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

غزو روسيا لأوكرانيا يمكن اعتباره نقطة تحول بارزة في استخدام تكنولوجيا الحروب اللامتماثلة. خلال الأسابيع الماضية، شهدنا صراعات مدعومة بتكنولوجيا حديثة وعمليات منسقة ضمن ما يُعرف بالنظام البيئي للمعلومات. حيث تُعتبر المعلومات المضللة سلاحًا يتم استخدامه لتقويض الحقيقة وزرع الفتنة، مؤدية إلى انعدام الثقة. كما أن هناك تداخلٌ غير مسبوق بين البشر والأجهزة نتيجة استخدام الطيف الكهرومغناطيسي.

البداية كانت في الثمانيات، عندما بدأ الاتحاد السوفيتي في التجسس على الشبكات الحاسوبية بعد استثمار مليارات الدولارات في أبحاث وتقنيات الدفاع. هذه الجهود السيبرانية تعود إلى ممارسات طويلة الأمد في مجال استخبارات التنصت والتجسس. الجنرال “فاليري جيراسيموف”، قائد القوات المسلحة الروسية، يُعتبر من رواد هذه الأساليب غير التقليدية، حيث كتب في مقالة له عام 2013 أن الفجوة بين الحرب والسلام أصبحت غير واضحة، وأن الحروب الآن تأتي دون إعلان.

صورة توضيحية

الحرب غير المتكافئة في شرق أوكرانيا تستند إلى استخدام تقنيات تكنولوجية متقدمة. تواجه أوكرانيا خصمًا قويًا، يمتلك مهارات استثنائية في حرب المعلومات. الحكومة الروسية تستفيد من هذه التقنيات لتعزيز أهدافها الاستراتيجية ولإرباك الخصم بأقل تكلفة. عبر استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات، تسعى روسيا لتشويه معلومات الدولة المستهدفة وإلحاق الضرر بأنظمتها.

تشمل هذه التكتيكات الترويج للمعلومات المضللة، مع الاستفادة من تقنيات التزييف العميق لإنشاء محتوى فيديو مزيف باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تعزيز حالة الارتباك بين المدنيين وزعزعة استقرارهم. المعلومات المضللة تؤدي إلى “صدمة ورعب” فوري، مما يُضعف استعداد الخصم للقتال ويؤثر سلبًا على فهم المدنيين للصراع. كما تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير التحليلات اللازمة من مصادر معلومات مفتوحة، مثل مقاطع TikTok ومنشورات Telegram.

في عالم تحليل بيانات ساحة المعركة، تبرز روسيا كقوة بارزة من حيث استخدامها للطائرات بدون طيار في العمليات القتالية. اليوم، يستمر تفوقها التكنولوجي في تشكيل جبهة تهديد غير قابلة للرد من قبل أوكرانيا، التي تخوض حربًا لامتماثلة تقليدية في شرق البلاد.

ما يحدث في أوكرانيا ليس مجرد حرب تقليدية، بل هو هجوم بأساليب غير تقليدية استهدف أساس قوة الدولة وأضعفها قبل أن تبدأ العمليات التقليدية. قبل ساعات من الإطلاق الفعلي للصواريخ أو تحرك الدبابات في 24 فبراير، رصد مركز معلومات التهديدات التابع لشركة Microsoft (MSTIC) موجة جديدة من الهجمات الإلكترونية المدمرة على البنية التحتية الرقمية لأوكرانيا. ولتأمين الوضع، قامت مايكروسوفت بإبلاغ الحكومة الأوكرانية عن تلك الهجمات، بما في ذلك تحديد برامج ضارة جديدة، عرفت باسم FoxBlade.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت الشركة تقارير استخباراتية تتعلق بالتهديدات واقتراحات دفاعية لمواجهة الهجمات التي تستهدف مجموعة من الأهداف، بدءًا من المؤسسات العسكرية إلى المصانع الحكومية. كما أعدت تقريرًا شاملًا عن الهجمات الرقمية التي طالت القطاع المدني، بما في ذلك الاقتصاد، الزراعة، خدمات الطوارئ، وأعمال المساعدات الإنسانية.

منذ الصراع الأوكراني في عام 2014 وتورط موسكو في سوريا، استطاعت الدول الغربية الحصول على فهم أعمق لقدرات الهجوم التكنولوجي والعقائد الروسية. تمكن الروس من رؤية التأثير الممكن لأساليبهم، مثل التشويش على إشارات GPS، الهواتف المحمولة، ونظم الاتصالات الأخرى. هذا الأمر أثار قلق وزارة الدفاع الأمريكية (DoD) بشكل كبير، حيث أشار التقرير إلى أن روسيا والصين تظهران مهارات متفوقة في مجال الحروب الغير تقليدية.

التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية يلفت النظر إلى أن الولايات المتحدة قد تخاطر بفقدان السيطرة على ساحة المعركة دون التحكم في أسلحة الطيف الكهرومغناطيسي. ومع الاستخدام الكامل للتكنولوجيا الروسية، فإن لديها ميزات قد تضمن لها النصر بتكاليف أقل وزمن أقل، مما يمنحها القدرة على الوصول إلى المعلومات من جميع وسائل الاتصال.

علاوة على ذلك، من الممكن أن تفقد روسيا خصومها وسائل الملاحة عبر الأقمار الصناعية، مما يؤثر سلبًا على دقة الأسلحة الموجهة مثل الصواريخ والذخائر الذكية، ويعقد تحركات القوات على الأرض وفي الجو والبحر. هذا الحرمان من وسائل الاتصال له تداعيات وخيمة على سير العمليات، حيث عدم تبادل المعلومات يؤدي إلى عواقب قد تؤدي إلى ارتباك في الموقف العملياتي.

ختامًا، إن انعدام القدرة على تحديد الهوية نتيجة لغياب نظم تحديد الهوية بالاعتماد على الرادارات (IFF) يؤدي إلى ارتباك في القوات المتحالفة، مما قد ينتج عنه اشتباك غير مقصود. مع فقدان قدرات الاكتشاف، يصبح الأعداء في وضع من الضعف، مما يعكس أهمية السيطرة على التكنولوجيا في الحروب الحديثة.

في عالم الحروب الحديثة، يتعين على الجيوش ألا تكون مجرد متفرجة. هناك احتمال دائم لمفاجآت استراتيجية أو تكتيكية يمكن أن تؤدي إلى تحييد بعض أنظمة الأسلحة. هذا يضعها أمام تحديات جديدة، تبرز أهمية التحضير والجهوزية.


مرحبًا بكم في حروب المستقبل! حيث الحروب اللامتماثلة تسود، وتتحدد نتائجه بفضل التكنولوجيا المتقدمة والعلم المتطور والبحث العلمي الدقيق! هذه هي المعركة التي تتطلب ابتكارًا مستمرًا وفاعلية في استخدام الوسائل التكنولوجية.

الدكتورة غادة عامر، عميد كلية الهندسة في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، تعتبر رمزًا لفرص النساء في مجال الهندسة والتكنولوجيا. تمتلك خبرات هائلة كمحاضرة في كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا. كما أنها سفير تقني لوكالة الفضاء المصرية للفترة من 2022 إلى 2024، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا، ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا.

شغلت الدكتورة غادة العديد من المناصب الهامة، مثل وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها ومدير مركز الابتكار وريادة الأعمال في أكاديمية البحث العلمي بمصر. بالإضافة إلى كونها الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمختبر الابتكار ASTF، والرئيس السابق لقسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنها.

احتُفي بإنجازاتها على الساحة الدولية من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات التعليم الهندسي IFEES ومجلس عمداء الهندسة العالمي GEDC في الولايات المتحدة، ما جعلها واحدة من أفضل القصص الملهمة للنساء في مجالات الهندسة والتكنولوجيا في أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى