
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
إن الحرب في السودان قد تطورت إلى حالة من الفوضى التي مزقت نسيج الدولة العربية، حيث يتواجه أبناؤها في صراع دموي يتسبب في خسائر فادحة وآلام عميقة. تفجرت هذه الصراعات نتيجة للاختلافات السياسية بين القادة العسكريين في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي تُعتبر قوة نظامية تم تأسيسها وتمويلها من قبل الدولة. ما يعني أن النيران المشتعلة اليوم بين الجيشين تعكس استنزاف موارد الدولة السودانية.
تعكس هذه الحرب تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية تهدد الاستقرار الداخلي، مما يفتح الأبواب لتدخلات إقليمية ودولية. تاريخ السودان المعاصر هو تاريخ حافل بالحروب، حيث عايش أطول حروب القارة الأفريقية – حرب جنوب السودان، التي استمرت لعقود قبل أن تتوقف بشكل مؤقت بفعل اتفاقيات أبرمت ولكنها ظلت عرضة للاشتعال مجددًا.
الحرب الحالية التي بدأت في أبريل 2023 تُعتبر متفردة، حيث نجمت عنها تأثيرات عميقة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أحدثت هذه الصراعات تحولًا جذريًا في هيكل السودان، بما يقود إلى آثار ملحوظة على وضعه الداخلي ويؤثر أيضًا على الدول المجاورة. يُعد موقع السودان الاستراتيجي بحدوده البرية المباشرة مع 7 دول من العوامل التي تعزز من تداعيات النزاع.
سنسلط الضوء على بعض نتائج هذه الحرب التي لا تزال تتجدد في مختلف الولايات، حيث يسود النزاع على السلطة في بلد انقسم بين شمال وجنوب، مما قد يقود إلى انقسام جديد في غياب الخطط الديمقراطية القادرة على ضمان حقوق المواطن وبناء دولة تعزز الاستقرار.
تداعيات الحرب السودانية وتأثيرها على الإقليم:
- أول تداعيات هذه الحرب كان واضحًا في تأثيرها على القوة العسكرية السودانية. فالحرب المستمرة تسببت في تدهور الأداء العسكري، مما أثر على قدرة وحدات الجيش في تنفيذ مهامها القتالية، وانعكست تداعياتها على تماسك الجيش بشكل ملحوظ.
- ثانيًا، تفشي الفوضى العسكرية، حيث اختلطت أنماط القتال، ما أدى إلى ضعف في السيطرة على العمليات. فقدت القيادة العسكرية العليا القدرة على تنظيم وتحريك القوات بفعالية.
- ثالثًا، النزاع المسلح أثر على الرأي العام تجاه الجيش، حيث زادت الاحتجاجات الشعبية نتيجة لسلسلة من الانتهاكات والاعتداءات.
تعاني المؤسسة العسكرية من صعوبة حسم القتال، مما أدى إلى تفشي حالة من الفوضى نتيجة تمرد لفصيل، ما ساهم في زيادة الانقسام داخل مكونات المجتمع بين مؤيد ومعارض.
تأثرت الأمن الداخلي في السودان بسبب الحرب الأهلية بشكل ملحوظ، حيث تفشت مظاهر الفوضى والعنف، مما أسفر عن انتشار الجرائم المنظمة، النهب، وانتهاكات حقوق الإنسان. بهذا، أصبحت المناطق المأهولة بالسكان عرضة للاختلالات الأمنية، الأمر الذي تجلى بوضوح في الأحداث الدامية.
عززت الحرب من قوة الجماعات المسلحة في السودان والمناطق المجاورة، مما أدى إلى زيادة النزاعات المسلحة في غرب السودان ودارفور. هذا الوضع يمثل تحديًا جديدًا أمام الجيش لتحقيق السيطرة واستتباب الأمور لصالحه.
يُحتمل أن يؤثر الوضع في السودان على بعض الدول المجاورة مثل ليبيا ومصر وإثيوبيا، حيث قد تلجأ الجماعات الإرهابية العابرة للحدود للإقامة هناك لإعادة ترتيب صفوفها. وذلك بسبب غياب السلطة السودانية الفاعلة على الحدود، مما يسهل تسرب الأسلحة والذخائر إلى تلك الجماعات، مما يهدد الأمن في هذه الدول.
إن تزايد حركة النازحين واللاجئين بفعل الحرب يمثل أعباء إضافية على الدول المجاورة، التي قد لا تكون مستعدة لهذه الأوضاع، بما في ذلك نقص المواد الغذائية والدوائية، واحتمالية تفشي الأمراض. الموجات الضخمة من البشر التي انتقلت إلى ليبيا، تشاد، جنوب السودان، ومصر أحدثت تحديات إنسانية جديدة، ناهيك عن النزوح الداخلي وتأثيره على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
لقد أدت تداعيات الحرب والاستمرار في العمليات العسكرية إلى تدهور الاقتصاد في المنطقة، حيث تضررت سلاسل الإمداد والتجارة نتيجة إغلاق الحدود وتوقف حركة الموانئ والطيران. هذا الانقطاع في التبادل التجاري مع السودان أثر بشكل كبير على اقتصادات عدة دول مجاورة، حيث ارتفعت أسعار السلع بشكل مفاجئ بينما تآكلت قدرة الحكومة على توفير بيئة آمنة والتحكم في الموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن.
في ظل هذه الظروف، تأتي التدخلات الأجنبية من قوى إقليمية ودولية لتعقيد الوضع الداخلي. وهذا الأمر يساهم في زيادة التوترات والنزاعات بين المجتمعات العرقية المختلفة، وسط اتهامات متبادلة بوجود أطراف تدعم كل طرف من أطراف النزاع.
تنبئ الحروب بتهديد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وحركة الملاحة في البحر الأحمر، الذي يعتبر ممراً حيوياً للتجارة العالمية، مما يستدعي اهتمام العديد من دول العالم. هذا الوضع قد يؤدي إلى تفاقم النزاعات القائمة وإلى تدخل قوى إقليمية ودولية لتأمين تلك المناطق.
يشهد المشهد السوداني نشاطًا دبلوماسيًا ملحوظًا من قِبَل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين، التي تسعى للتأثير على مجريات النزاع. ورغم ذلك، فإن هذا الأمر قد يسبب ارتباكًا بسبب عدم تقديم حلول واقعية، مما يعزز إمكانية إنشاء تحالفات أمنية إقليمية جديدة لمواجهة التحديات الناتجة عن النزاع.
إن تداعيات الحرب السودانية تظل محورية في تشكيل المشهد العسكري والأمني في السودان والقرن الأفريقي. يتطلب هذا الأمر استجابات عاجلة من المجتمع الدولي والدول المجاورة لإيجاد صيغة لحل مستدام يعزز من الأمن والاستقرار الإقليمي، ويحول دون تفاقم النزاعات القديمة واستمرار الانقسامات الجديدة في السودان.





