
سامي أورفلي
تحولات استراتيجية في الدفاع الصاروخي
أعلنت شركة لوكهيد مارتن مؤخراً عن بدء سلسلة من الإحاطات الإعلامية التي تسلط الضوء على التغيرات الكبيرة في مجال الدفاع الصاروخي العالمي. أشار جيسون رينولدز، نائب الرئيس لبرنامج الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، إلى التزام الشركة الراسخ بتعزيز قدرات الردع من خلال تطوير منظومتي “THAAD” و”PAC-3″.
قال رينولدز إن هذه الأنظمة تكتسب أهمية خاصة في الشرق الأوسط، ويستعرض تأثيرها بعد مرور عقد كامل على استخدام نظام “THAAD” في المنطقة، وقد تمكن النظام من تحقيق أول “اشتباك قتالي” ناجح له في عام 2022.
الزيادة العالمية في الإنتاج ورغبة تحقيق التفوق
يمثل الارتفاع الملحوظ في إنتاج أنظمة PAC-3 وTHAAD، بالتزامن مع دمجها في البيئات البحرية، نقطة تحول مهمة في قطاع الدفاع. تعكس هذه الديناميكية الفجوة بين قدرة الإنتاج الراهنة والطلب المتزايد، مما يستلزم استثماراً عاجلاً في سلاسل الإمداد لضمان تفوق دفاعي مستدام أمام التحديات المعقدة.
طفرة الإنتاج وتحديات الطلب
تسعى لوكهيد مارتن إلى تحقيق طفرة غير مسبوقة من خلال توقيع عقود ضخمة لـ PAC-3 وTHAAD. وقد ارتفعت الطاقة الإنتاجية لصاروخ PAC-3 MSE من حوالى 300 صاروخ إلى 500 صاروخ سنوياً، مع خطط للوصول إلى 550 صاروخاً بحلول نهاية السنة الحالية.
تخطط الشركة لتجاوز هذا الرقم، حيث تسعى لإنتاج ما يزيد عن 600 صاروخ هذا العام، مع الرغبة في تحقيق 650 صاروخاً في العام المقبل (2025)، أي قبل الموعد المتفق عليه (2027) بعام كامل.
هذا الارتفاع يُظهر الضغط الدولي الهائل، إذ أكد رينولدز أن الأرقام الحالية ليست كافية لتلبية الطلب، الذي يتجلى بوضوح من دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت.
علاوة على ذلك، هناك خطط لزيادة إنتاج نظام THAAD بما يضاعف الإنتاج الحالي أربع مرات، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للجيش الأمريكي والطلب الدولي.
استراتيجية دمج PAC-3 في البيئة البحرية
خطت استراتيجية الدفاع الصاروخي خطوات بارزة نحو دمج PAC-3 في النظام البحري، وهو تحول يُعرف بـ “أخذ PAC-3 إلى البحر”.
يهدف هذا التوجه إلى تكامل صاروخ PAC-3 MSE مع نظام Aegis، مما يُمكّن البحرية الأمريكية والأساطيل الحليفة من استخدام PAC-3 كسلاح دفاع جوّي فعّال. وقد أثبتت الشركة نجاح هذا التكامل من خلال اختبار يؤكد إمكانية إطلاق الصاروخ من أنبوب نظام الإطلاق العمودي Mark 41، مما يتطلب تعديل زعانف الصاروخ ليناسب الأنبوب.
تحسين أنظمة الدفاع الجوي
ستجري عمليات إطلاق تجريبية من السفن بحلول العامين المقبلين، حيث من المتوقع أن يكتمل دمج النظام بشكل كامل قبل نهاية هذا العقد.
يمثل هذا الدمج ميزة استراتيجية واقتصادية، حيث يُعتبر نظام PAC-3 أقل تكلفة بشكل كبير مقارنة بصواريخ SM-6، مع تقديم ميزات تكاملية. بالرغم من أن PAC-3 ليس مخصصًا لمهام سطح-س-Gل مثل SM-6، إلا أنه يتفوق في الدفاع الجوي، مما يمكن البحرية الأمريكية والدول الأخرى من تخصيص صواريخ SM-6 لمهام أكثر تعقيدًا.
إغلاق الثغرات: أهمية الكشف الشامل
تواجه شبكات الدفاع الصاروخي تحديات بنيوية نتيجة اعتماد الأنظمة التقليدية، مثل Patriot وTHAAD، على رادارات تعمل في قطاعات محددة، لا تغطي جميع الاتجاهات.
تحذر الشركات من أن هذه القضايا تجعل المنصات عرضة للمخاطر إذا جاء التهديد من خلف الرادار. لذا، تتجه شركات الدفاع نحو أنظمة الكشف الشامل بزاوية 360 درجة، خصوصًا بعد الهجمات الأخيرة في المنطقة.
تكنولوجيا رادار التمييز طويل المدى (LRDR) تمثل الحل المثالي لهذا القصور، فهي نظام ثابت يعمل بزاوية 360 درجة، ويهدف إلى الكشف عن جميع أنواع التهديدات، بما فيها الصواريخ الباليستية والفرط صوتية. يستخدم LRDR حاليًا في كلير ألاسكا لصالح وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية، ويجذب اهتمامًا متزايدًا.
تدل الزيادة في الاهتمام الإقليمي لهذه التقنية على الحاجة الملحة لرفع الوعي الظرفي، حيث أبدت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بهذا النظام. عند دمجه، يمكن لـ LRDR توفير بيانات الاستهداف اللازمة لمنصات إطلاق PAC-3 وTHAAD، مما يوسع من نطاق المعركة ويسمح باستخدام أجهزة استشعار متعددة.
دروس قتالية وقدرات متفوقة
أبرزت المعلومات المتعلقة بأنظمة PAC-3 وTHAAD نجاحاتها القتالية في التعامل مع التهديدات المعقدة. بينما دخل نظام THAAD في “الاستخدام القتالي” في عام 2022، حقق PAC-3 نسبة نجاح تصل إلى 100% ضد التهديدات خلال هجوم منسق على قاعدة أمريكية في قطر.
تعلمت القوات من التجربة الميدانية في قطر أهمية التنسيق بين الوحدات، حيث وجدت أن وحدات الإطلاق الأمريكية والقطرية كانت لديها صواريخ PAC-3 MSE تعمل بنفس المجال، لكنها لم تكن مرتبطة جسديًا. وفي بعض الأحيان، استهدفت القوتان الأهداف نفسها، مما يتطلب تحسين أساليب الإطلاق وتنسيق العمليات المستقبلية لضمان الكفاءة.
إن تهديدات السرعة العالية تؤكد على تصميم THAAD للعمل في ارتفاعات عالية، بما في ذلك مع التهديدات الفرط صوتية، بينما يتعامل PAC-3 مع التهديدات الفرط صوتية على ارتفاعات أقل. وفي هذا الصدد، أكد جيسون أن PAC-3 نجح في تدمير معظم الصواريخ الروسية الفرط صوتية في أوكرانيا.
على الجانب التكنولوجي، تعتمد المنظومتان على تقنية “الاعتراض بالارتطام المباشر”، مما يجعل PAC-3 أحد أكثر الصواريخ رشاقةً في الساحة الدفاعية بفضل أنظمة التحكم المتقدمة التي تسمح له بمهاجمة الأهداف بدقة كبيرة.
دعوة لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد
يشير الارتفاع غير المسبوق في إنتاج أنظمة PAC-3 وTHAAD، بالإضافة إلى توسع القدرات البحرية، إلى أن الدفاع الصاروخي المتكامل لم يعد مجرد خيار تكتيكي بل أصبح ضرورة استراتيجية. تشير الإحاطة إلى أن الشركات، مثل لوكهيد مارتن، بحاجة لكسر سلاسل الإنتاج التقليدية، حيث أن 650 صاروخًا سنويًا لا يكفي لتلبية الطلب المتزايد.
يسلط هذا الواقع الضوء على أهمية التفكير الاستراتيجي في مجال الدفاع، مما يوفر فرصًا جديدة لضمان الأمن الإقليمي والدولي.
في سياق التحديات العميقة، تبرز أهمية مرونة سلاسل الإمداد. من أجل تحقيق التفوق الدفاعي المستمر لعملائنا في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تصعيدًا متزايدًا في التهديدات الباليستية والسرعات الخارقة، يجب العمل على التغلب على قيود المكونات الرئيسية مثل نظام PAC-3، فضلاً عن ضرورة زيادة الاستثمارات في الإنتاج المشترك.
تشكل القدرة على دمج أنظمة الكشف التي تعمل بزاوية 360 درجة (LRDR) مع منصات إطلاق PAC-3 و THAAD فرصة هامة لتعزيز المناعة الدفاعية ضد التهديدات التي قد تأتي من زوايا غير متوقعة. لذلك، يتعين على صانعي القرار والدول المستفيدين من هذه الأنظمة الإسراع في طلب مزيد من صواريخ الاعتراض، بالإضافة إلى دعم خطط الشركات لتعزيز قدرتها الاستيعابية. ومن الضروري توفير مصادر متعددة للمكونات المعقدة، لضمان أن تكون هذه الزيادة في الإنتاج نقطة تحول فعلية، وليست مجرد رد فعل مؤقت تجاه حالة طوارئ عالمية.




