
في الآونة الأخيرة، شهدت أوكرانيا تطورًا جديدًا في الحرب الجارية، مع دخول الطائرات المسيرة الإيرانية من طراز “شاهد” في المعركة إلى جانب الروس. هذه الطائرات تعارض المسيرات التركية الشهيرة “بيرقدار” التي تستخدمها أوكرانيا.
تتفاوت التقارير حول اعتماد الروس على الطائرات المسيرة الإيرانية، إذ تؤكد بعض المصادر الأوكرانية والغربية هذا الاعتماد بينما ينفيه الإيرانيون. من جانبهم، يُدافع الأوكرانيون عن أجوائهم باستخدام “بيرقدار تي بي-2″، التي تُعتبر رمزًا للنجاح العسكري التركي. يبقى السؤال: ما مدى تفوق إحدى الطائرتين على الأخرى؟
علاوة على ذلك، يعود تاريخ علاقة أوكرانيا بالطائرات التركية إلى ما قبل بدء الحرب، مما يدل على عمق هذه الشراكة.
قبل اندلاع النزاع، كانت الشركة المصنعة لبيرقدار تقوم بإنشاء مصنع في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه كانت الشركات الأوكرانية مسؤولة عن إنتاج محركات “تي بي-2”. كما قامت تركيا ببيع عدد من طائراتها المسيرة إلى كييف خلال السنتين الماضيتين، مما زاد من مخزون أوكرانيا منها وفقاً لتقارير.
ووصفت صحيفة “لاكروا” الفرنسية الطائرات المسيرة بأنها أداة فعالة ساعدت الأوكرانيين في تعطيل تقدم القوات الروسية. تنتشر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي التي توثق هذه الطائرات وهي تُهاجم القوافل الروسية، مما يُظهر تأثيرها الكبير في المعركة.
في مارس الماضي، احتفلت القوات البرية الأوكرانية بقدرات “بيرقدار”، فنشرت أغنية حماسية تُبرز قوتها. ذكر حساب القوات البرية على فيسبوك أن الأغنية هي “انتقام للأطفال الأوكرانيين والجورجيين والسوريين والشيشان”.
تحتوي كلمات الأغنية الأوكرانية على تعبيرات حماسية مثل: “جاءت الخراف لبناء الدولة القديمة، لكن لدينا راعٍ لهذا، إنه البيرقدار!” وفي جزء آخر يُقال: “أحضروا جيوشهم ومعداتهم، لكن لدينا كلمة واحدة: بيرقدار!”
دخول المسيرات الإيرانية في الأجواء الروسية
تعود الأحداث التي أدت إلى استخدام الروس للمسيرات الإيرانية إلى أوائل يوليو الماضي، عندما بدأت الولايات المتحدة تشير إلى نية إيران تزويد روسيا بطائرات مسيرة.
أعلنت الاستخبارات الأميركية أن إيران ستقوم بإرسال مئات الطائرات المسيرة إلى روسيا لتعزيز قواتها في مواجهة صمود الجيش الأوكراني في الشرق. في 30 أغسطس، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم أن إيران أرسلت أول شحنة من طائراتها إلى روسيا، رغم أن بعض الطائرات كانت تحتوي على عيوب.
كشف الصحيفة لوكالات تجسس أميركية أن شحنة الطائرات المسيرة تضمنت، على الأقل، نوعين من الطائرات المسلحة، التي تستطيع استهداف الرادارات والمدفعية والأهداف العسكرية المختلفة.
في 13 سبتمبر/أيلول، أعلنت أوكرانيا أنها أسقطت طائرة مسيّرة إيرانية الصنع للمرة الأولى، حيث حاولت القوات الروسية استخدامها.
أفادت وزارة الدفاع الأوكرانية بأنها نجحت في إسقاط طائرة من طراز “شاهد-136” في منطقة خاركيف شمال شرق البلاد، وقامت الوزارة بنشر صور تظهر أجزاء من الطائرة المدمرة. وقد أشارت وكالة رويترز إلى أن طرف جناح الطائرة يطابق تمامًا جناح “شاهد-136”.
خلال الأيام الأخيرة، ازدادت التصريحات والتحركات المناوئة من جانب الدول الغربية حيال استخدام الطائرات المسيرة الإيرانية في النزاع الأوكراني. وكشف دبلوماسيون عن جهود من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لعقد اجتماع في مجلس الأمن الدولي لمناقشة استخدام الجيش الروسي للطائرات المسيرة، التي يُعتقد بأنها إيرانية الصنع.
على الرغم من النفي المتكرر من الحكومة الإيرانية حول تزويد الجيش الروسي بالطائرات المسيرة، أكد الكرملين أنه لا يملك معلومات عن الحديث حول شراء الطائرات المسيرة “الانتحارية” من إيران.
في إطار الحديث عن الأسلحة، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، إن هذه القضايا تتعلق بوزارة الدفاع، مشيرًا إلى أن بلاده تستخدم أسلحة وآليات تحمل تسميات روسية خلال وجودها في أوكرانيا، وفقًا لتعبيره.
على الرغم من إنكار الجانبين الإيراني والروسي، لا تزال أوكرانيا تُعلن بشكل دوري عن إسقاط الطائرات المسيرة الإيرانية على أراضيها. وأوضحت في آخر تصريحاتها أنها قد دمرت 223 طائرة مسيرة إيرانية الصنع منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وأرفقت صورًا لهذه الطائرات، مُطالبة المجتمع الدولي بالضغط على طهران لوقف تزويد روسيا بهذه المسيرات.
إذا افترضنا صحة المعلومات الأوكرانية والغربية حول انخراط المسيرات الإيرانية في النزاع، تبقى أعدادها وأنواعها غير معروفة بدقة. ومع ذلك، تشير المعلومات المتداولة إلى بعض الطرازات مثل “شاهد-136” و“مهاجر-6” وغيرها.
أيهم أقوى؟
برز اسم بيرقدار في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت تضم أخطر التكنولوجيا المستخدمة في التصنيع الحربي في تركيا. بعد سنوات من الحصار والضغط الغربي، تمكنت تركيا من تطوير قدراتها الحربية.
تعززت سمعة الطائرات المسيرة التركية بشكل لافت بعد استخدامها من قبل القوات الأوكرانية في تدمير القوات الروسية، موفرةً تحصينًا فعالًا ضد الهجمات الجوية التي تستخدمها القوات الروسية، وتسببت منذ بداية النزاع في إحداث دمار كبير في المعدات العسكرية الروسية.
عبر الرواية الأوكرانية، أظهرت المسيرات الإيرانية أيضًا مستوى عالٍ من الفعالية التدميرية، خصوصًا مع التقدم الملحوظ للقوات الأوكرانية في مواجهة التراجع الروسي في الأشهر الأخيرة.
بينما يصعب تحديد الأثر الفعلي لأي من الطائرات المسيرة خلال الحرب، يبدو أن المنافسة بين المسيرتين أصبحت واضحة. حيث يشير فيكرام ميتال، البروفيسور في الأكاديمية العسكرية الأميركية في “وست بوينت”، إلى أن “مسيرة مهاجر-6 تشبه في استخدامها ووظيفتها مسيرة بيرقدار التركية”.
يبدي الباحث الفرنسي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جان كريستوف نويل، اعتقاده بأن مسيرات “مهاجر-6” المستخدمة في أوكرانيا تُعتبر ردًا روسيًا على مسيرات “تي بي-2” التركية التي تستخدمها أوكرانيا، وذلك لكونها ذات ارتفاع متوسط وقدرة تحمل عالية.
فيما يتعلق بفعالية المسيرات الإيرانية، يؤكد نويل أنها تُظهر فاعلية ملحوظة في غياب الحماية الكافية من قبل الخصوم.
كما أوضح ميتال أن “جزءًا كبيرًا من نجاح الطائرات الإيرانية في البداية يعود إلى كونها سلاحًا جديدًا على ساحة المعارك”. وأشار إلى أنها ستبقى فعالة حتى يتسنى للأوكرانيين استيعابها والتكيف مع إمكاناتها.
تُعتبر الطائرة المسيرة الإيرانية “شاهد-136” نموذجاً فريداً في عالم التكنولوجيا العسكرية. تُستخدم هذه المسيرة الانتحارية للاندفاع نحو الهدف والانفجار بنجاح. بأن استخدامها يوفر لروسيا بديلاً عن الصواريخ العابرة للقارات التي تكلف ما بين 1.5 ومليوني دولار أمريكي. ومع ذلك، يشير غراسيه إلى أن هذه الطائرة لديها ضعف رئيسي، فهي قادرة فقط على إصابة الأهداف الثابتة، مما يجعلها غير فعالة ضد القوات المتحركة.
وفي سياق مساعي المقارنة بين المسيرات الإيرانية والتركية، تؤكد ماريان رينو، خبيرة الطائرات المسيرة، أن الولايات المتحدة وإسرائيل يحتلان المرتبة الأولى في السوق. بينما تأتي المسيرات التركية في المرتبة الثالثة، متفوقة بنحو ملحوظ على مثيلاتها الإيرانية التي تفتقر إلى الدقة اللازمة.
تملك إيران زبائن لمنظوماتها المسيرة في منطقة الشرق الأوسط، إذ يتطلع حلفاؤها في اليمن ولبنان والعراق إلى الحصول عليها. ولكن، تعيق العقوبات الأمريكية الراغبين في شراء أسلحة مماثلة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤكد تقارير لوكالة رويترز أن المسيرات التركية لا تقارن من حيث التكنولوجيا بالموديلات المتقدمة التي تنتجها إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، تتمتع المسيرات التركية بأسعار معقولة ومرونة في التصدير، مما يجعلها خيارًا جذابًا. وفقًا لمصدر عسكري غربي، فإن أداء هذه الطائرات يتفوق على المسيرات الصينية والإيرانية المُستخدمة من قِبل روسيا في الصراع الأوكراني.
من جهة أخرى، تشير صحيفة “ليبراسيون” إلى أن المسيرات التركية أثبتت كفاءتها في النزاعات القوية مثل الصراع الأوكراني، حيث تستهدف القوافل الروسية. هذا في حين أن المسيرات الإسرائيلية لم تستخدم بنفس النطاق في صراعات مشابهة.
تعتبر السلطات التركية أن المسيرات تمثل سلاحًا ذا تأثير متزايد، إذ تمنح الشركات حرية فريدة للحصول على الطائرات دون أي قيود مسبقة.
ويدعم المستشار الفرنسي أميل بوفييه هذا النهج، حيث يصف الطائرات التركية بأنها مصدر رئيس لقوة أنقرة ونفوذها الدبلوماسي.
وعلى الجانب الآخر، هناك القلق المتزايد من المسيرات الإيرانية لدى الأوكرانيين، كما أن المخاوف الإسرائيلية تتصاعد كذلك من تأثير استخدام هذه المسيرات في أي صراعات مستقبلية، حيث تُبرز الصحف الإسرائيلية الآراء العسكرية التي تدعو إلى تقدير هذه الطائرات بجدية.
مع تزايد التحذيرات الغربية بشأن فعالية الطائرات الإيرانية، دعت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مجلس الأمن الدولي لمناقشة استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في أوكرانيا.
وفي تعليقه على هذه التصريحات، اختار المرشد الإيراني التأكيد على أن الرسالة السلبية السابقة حول المسيرات الإيرانية قد تم تجاهلها الآن، بعد أن أظهر الساحة العسكرية فاعليتها.
لا شك أن كل من المسيرات التركية والإيرانية تلعب دوراً مهماً في الصراعات العالمية، مما يدفع العديد من الدول إلى البحث عن الحصول على هذه الأنظمة المتقدمة.
أفاد المدير العام لشركة “بيرقدار” بأن منتجاته من الطائرات دون طيار تم تصديرها إلى 24 دولة، بينما أعلن اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار الإيراني، أن 22 دولة ترغب في شراء المسيرات الإيرانية.
بينما تشهد السماء الأوكرانية معركة مثيرة بين الطائرات التركية “بيرقدار” والموديلات الإيرانية “شاهد” و”مهاجر”، تستمر حدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا في التزايد، مما يرسم مشهدًا مؤلمًا في التاريخ الحديث للحروب.





