العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

“قوة الذخيرة التلسكوبية: دقة القنص وفتك متقن”

صلاح الدين أبوبكر الزيداني

تُمثل الذخيرة المتداخلة تصميماً مبتكراً يُحدث ثورة في عالم ذخائر الأسلحة الخفيفة والثقيلة، مُبدّلاً بذلك العديد من المفاهيم التقليدية المتعلقة بالفتك والفعالية والشكل. وتستدعي النزاعات المتزايدة أنواع جديدة من الذخائر، خاصة مع بقاء ذخائر الرصاص المعدنية على حالها منذ عام 1886. حيث بدأت صناعة الذخيرة ذات المسحوق عديم الدخان والتي تم تقديمها في خرطوشة بندقية Lebel عيار 8×50 ملم، لتكون أول خرطوشة بارود عديم الدخان تُنتَج على نطاق واسع.

في ستينيات القرن الماضي، قامت شركة Hercules Inc بتصميم براءة اختراع لذخيرة متداخلة بدون غلاف تحت عيار 5.56 × 30. تم اقتراح هذه الطلقات للاستخدام في مدفع رشاش خفيف من إنتاج Hughes Tool Co، لكن عملية إنتاج هذا النوع من الذخائر توقفت لأسباب غير معروفة.

التسمية المعروفة “الخرطوشة” تعود إلى جذرٍ تاريخي، حيث تصف في لغتنا العربية مادة حشو السلاح الناري بالبارود. وتشير إلى مجموعة تضم مقذوفاً وشحنة إطلاق تُعرف أحياناً بالرصاصة أو الطلقة، وهي عبارة عن قطعة معدنية أسطوانية تحتوي على مقذوف نحاسي أو فولاذي ومظروف معدني يحوي المادة الدافعة المتفجرة.

حظيت الذخيرة المتداخلة المغلفة باهتمام كبير من قِبل مؤسسات البحث والتطوير في الجيوش الغربية. أخذت تحل محل الخراطيش المعدنية التقليدية. تقوم فكرة تصميم هذه الذخيرة على تغليف القذيفة جزئياً أو كلياً بشحنة دافعة، مما يتيح إمكانية استبدال الغلاف المعدني بمادة أخرى، وهو ما جعلها تُسمى “تلسكوبية”. يتم اختبار التصاميم الجديدة بانتظام من قبل الجيش الأمريكي، ويُعتقد أن للذخيرة المتداخلة مستقبل واعد، مما قد يؤدي إلى اختفاء الخراطيش التقليدية.

بالمقارنة مع الخراطيش التقليدية، تقدم الذخيرة المتداخلة مزايا ملحوظة، حيث تُقلل الطول الإجمالي للخراطيش المماثلة وتقلل من تعرض المقذوف للتلف أثناء عمليات التعبئة، مما يُزيد من موثوقية المخازن وآليات تغذية الأسلحة.

الرشاش الأمريكي LSAT

بدأت الولايات المتحدة فعلياً بتطوير الذخيرة المتداخلة التلسكوبية للمدفع الرشاش LSAT، حيث وصلت إلى مستوى الجاهزية التكنولوجية في أغسطس 2013. حصلت شركة AAI على عقد كبير لاستكمال تطوير أجزاء من هذا البرنامج، بما في ذلك تحسين وإنتاج ذخيرة متداخلة تلسكوبية فعالة تحت عيار 5.56 ملم، بالإضافة إلى تطوير ذخائر بعيار 7.62 ملم.

الذخيرة المتداخلة الخاصة بالرشاش الأمريكي LSAT

حتى سبتمبر 2021، كانت بندقية البوليمر التلسكوبية التي صممتها شركة Textron في مرحلة الاختبار ضمن التجارب الخاصة بسلاح فرقة الجيل التالي التي يديرها الجيش الأمريكي. استخدمت هذه البندقية ذخيرة من نوع “المتداخلة”، حيث تتيح التقنية الجديدة رصاصات أكثر قوة وفعالية. وقد أزاحت Textron الستار عن بندقية جديدة خلال مؤتمر Modern Day Marine، التي تم تصميمها لاستخدام الذخيرة المتداخلة.

مع الإقبال المتزايد على استخدام الذخائر الحديثة، تسعى القوات البرية الأمريكية لاعتماد نوع جديد من الأسلحة الخفيفة التي تتميز بالدقة العالية والوزن الخفيف. هذا السلاح الجديد، الذي يستند إلى قاعدة متقدمة لتصميم الذخيرة، من المتوقع أن يحوز الموافقة العسكرية قريبًا.

تتكون الذخائر التقليدية من رصاص مركزي محاط بغلاف نحاسي يحتوي على بارود. وفي المقابل، توفر الذخائر الحديثة رصاصًا قياسه 6.5 ملم، ومغلف بالكامل بمادة بوليمر متطورة، توفر مقاومة عالية وارتباطًا قويًا بين الجزيئات. هذا التصميم يعزز أداء الذخيرة ويزيد كفاءتها في المهام العسكرية.

التحوّل إلى استخدام المعادن الخفيفة جعل الوزن الإجمالي للذخيرة أقل بنسبة 40% مقارنةً بالنماذج التقليدية. وفقًا لشركة Textron، فإن الذخائر الجديدة تمتاز بزيادة الطاقة بنسبة 300% عن ذخيرة الجيش الأمريكي القياسية M855A1، مما يعني تعزيز قدرتها على اختراق الدروع وزيادة مسافة الرمي الفعالة.

أثناء عمليات القتال في أفغانستان، كان الجنود يواجهون صعوبات مع الرصاصات الأصغر عيار 5.56 ملم، حيث تطلب الأمر تكرار الرماية لتحديد الأهداف. لذلك، تم تطوير رصاصات ذات وزن أكبر وقوة أكبر لتحقيق مستوى أعلى من الدقة.

خلال مرحلة تطوير الذخائر الجديدة، وُجهت تحديات متعددة، أبرزها اختيار المواد المناسبة. كانت البوليمرات الطبية عالية الجودة فعالة لتصنيع الغلاف، حيث توفر قوة التحمل في درجات حرارة متنوعة تتراوح من -50 إلى +150 درجة مئوية.

تضمن الابتكارات في تصميم الشحنات المضغوطة تحسين دقة النيران وتقليل حجم الخرطوشة. فعند الإطلاق، تنطلق الرصاصة بقوة وثبات، مما يقلل من انحرافها مقارنةً بالذخائر التقليدية.

تم كذلك تقليل الطول الكلي للذخيرة، مما يؤدي إلى تصميم أسلحة أخف وأكثر فعالية. يُظهر هذا التصميم انخفاضًا في الأعطال، مما يعزز الموثوقية والكفاءة في العمليات المتكررة.

بفضل عدم استخدام المعادن التقليدية، تتميز هذه الذخائر الجديدة بجودة غذاء فعالة ومنتظمة، حيث تُخرج الذخائر بطريقة تحافظ على فعالية السلاح ودرجة حرارته.

في عام 2011، أطلقت شركة BAE Systems إنتاج أول ذخائر تلسكوبية عيار 40 مم في منشآتها المتطورة، حيث تعكس التكنولوجيا الحديثة انتهاجًا جديدًا في قوة الذخائر، مما يزيد من قدرتها على العمل بشكل أفضل مقارنةً بالجيل السابق.

هناك أيضًا إنتاج مشترك من شركات الدفاع مثل Nexter و BAE Systems للعديد من أنواع الذخائر الأخرى، منها:

  • القذائف الخارقة للدروع APFSDS-T، المتخصصة في اختراق الدروع بعمق كبير يصل إلى 140 ملم.
  • تمتاز المتجانسة المدلفنة (RHA) بقدرتها على اختراق الأهداف من مسافة 1500 متر. هذه السهام ذات العيار الفرعي تستطيع تدمير جميع المركبات المدرعة الخفيفة وعربات قتال المشاة، حتى تلك المحمية بالطرازات المتقدمة من الدروع. بسرعتها التي تبلغ 1500 م/ث ومدى اختراقها الذي يصل إلى 140 ملم، تُعتبر فعالة جداً.
  • القذائف المضادة للطائرات مثل A3B-T توفر نطاقاً تشغيلياً عالياً ودقة لا تضاهى، مع القدرة على حمل حتى 200 حبة من التنغستن. تعتمد هذه القذائف على نظام التسليح المتداخل المعروف بـ Cased Telescoped Armament System، مما يقلل من عدد القذائف اللازمة لإصابة الهدف. تُعتبر فعالة بشكل خاص ضد الطائرات غير المأهولة، والمروحيات، والطائرات الخفيفة بسرعة تصل إلى 900 م/ث ومدى 4000 م.
  • قذائف الذخيرة المتداخلة الشديدة الانفجار GPR-AB-T تمتاز بقدرتها على استهداف أهداف متعددة، وتعمل بتكنولوجيا قوية لإطلاق انفجارات جوية. تصل مداها الأقصى إلى 2500 متر، حيث يتم تصميمها لتتفتت فوق الهدف، مما يؤدي إلى تغطية مساحة شاسعة، وتحييد الأنظمة البصرية. سرعتها تبلغ 1.000 م/ث وتغطي منطقة تصل إلى 125 م².
  • تُستخدم قذائف GPR-PD-T المستهدفة للأهداف ذات الحماية العالية، حيث تتمتع بقدرة على اختراق أكثر من 210 ملم من الخرسانة المسلحة المزدوجة. تم تحسين تصميمها لتوفير فعالية أكبر ضد التهديدات في البيئات الحضرية. سرعتها تصل إلى 1.000 م/ث مع مدى اختراق يبلغ 210 مم للخرسانة، وبمدى يصل إلى 2500 م.

في أعقاب النجاح الملحوظ للاختبارات الميدانية للذخائر المتداخلة، يواصل الجيش الأمريكي جهوده لاعتماد مشروع Next-Generation Squad Weapon، الذي يعتمد على الطلقات المتداخلة كخيار رئيسي للذخائر النارية المستخدمة في المدفع الرشاش الخفيف LSAT. مع إدخال الذخيرة المتداخلة في الخدمة الفعلية، يجب الإشارة إلى أن تطويرها لا زال مستمراً منذ 11 عاماً. كما أن الجيش الفرنسي والبريطاني والبلجيكي قد بدأوا فعلياً في استخدام الذخائر المتداخلة عيار 40 ملم في مركباتهم المدرعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى