العقيد الركن م. ظافر مرادمقالات رأي

“قمة لندن: استكشاف آفاق الأمن الأوروبي بين دعم أوكرانيا وتعزيز الاستقلال الدفاعي”

العقيد الركن م. ظافر مراد

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن خطة مستدامة لدعم الجيش الأوكراني بالمعدات العسكرية والأسلحة. جاء هذا الإعلان بعد اجتماع متوتر بين الرئيسين الأميركي “دونالد ترامب” والأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” في البيت الأبيض. حيث أعلن ترامب تخصيص 350 مليار دولار لأوكرانيا، وأكدت الوزارة أن المملكة المتحدة ستقدم أكثر من 5000 صاروخ دفاع جوي لتعزيز سلامة المواطنين والبنية التحتية من الهجمات. يسهم هذا الاتفاق أيضًا في خلق 200 وظيفة جديدة في أيرلندا الشمالية ويدعم 700 وظيفة قائمة، بالإضافة إلى مضاعفة إنتاج الصواريخ خفيفة الوزن في مصنع Thales ببلفاست. يعد هذا الاتفاق خطوة بارزة في تعزيز العلاقات الصناعية بين المملكة المتحدة وأوكرانيا، بناءً على الشراكة التي تم توقيعها مؤخرًا بين رئيس الوزراء “كير ستارمر” والرئيس “زيلينسكي” في كييف.

شراكة رماية

عُقدت قمة يوم 2 مارس الجاري في لندن، حيث اجتمع قادة الدول الأوروبية الحليفة لأوكرانيا لتأكيد دعمهم لكييف وتعزيز الإنفاق الدفاعي. مع ضرورة توفير دعم قوي من الولايات المتحدة، عقب مناقشة حادة بين ترامب وزيلينسكي. بعد القمة، صرح الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بأن باريس ولندن تقترحان هدنة لمدة شهر تشمل الأجواء والبحر والبنية التحتية للطاقة. كما دعا الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى نحو 3-3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في مواجهة تغييرات السياسة الأميركية.

زيادة الإنفاق الدفاعي

وذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “مارك روته” أن هناك دولًا أوروبية ستزيد من إنفاقها الدفاعي، مشددًا على التزام واشنطن بالحلف. وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” أهمية إعادة تسليح أوروبا بشكل عاجل، وستقوم بتقديم خطة شاملة لمناقشة كيفية تحقيق ذلك في قمة الدفاع القادمة. كما تم البحث عن ضمانات أمنية شاملة لأوكرانيا تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والعسكرية. وتشير التقارير إلى أن إجمالي المساعدات الأوروبية لأوكرانيا بلغ نحو 137 مليار دولار، مما قد يفرض أعباء إضافية على الدول الأوروبية مع استمرار دعمهم لأوكرانيا وزيادة نسبة إنفاقهم الدفاعي.

في قمة مؤثرة، شارك عدد من القادة الأوروبيين البارزين مثل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، المستشار الألماني “أولاف شولتس”، ورئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني”. كما حضر رئيس الوزراء البولندي “دونالد توسك” ونظيره الكندي “جاستن ترودو”. يسبق هذا الاجتماع قمة استثنائية بين الدول الأوروبية حول أوكرانيا تُعقد الخميس في بروكسل. في الوقت ذاته، كانت الولايات المتحدة تضغط على زيلينسكي بشكل متزايد، حيث أشار مسؤولون بارزون إلى ضرورة تغييره. وفقًا لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض “مايك والتز”: “ندعو لقيادة قادرة على التعامل معنا ومع الروس لإنهاء هذه الحرب.”

من الواضح أن الدول الأوروبية تواجه معضلة تتعلق بمسألتين رئيسيتين. الأولى هي الانتماء لحلف الناتو، الذي تتزعمه الولايات المتحدة وتحدد سياساته الأمنية، بينما الثانية تتعلق بالانتماء للاتحاد الأوروبي الذي يسعى لتطوير سياسة دفاعية مستقلة بعد خروج بريطانيا. يتعذر على الدول الأوروبية تحقيق ذلك نظرًا لعدم كفاية قدراتها العسكرية، لذا يُصرّ القادة، وخصوصًا الفرنسيين والألمان، على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا. ولكن، من المحتمل أن يستغرق ذلك وقتًا طويلًا ليواكب رؤية القادة الأوروبيين لمكانتهم في مستقبل الأمن العالمي.

في هذا السياق، تتحمل شركات صناعة الدفاع الأوروبية مسؤولية ضخمة، لكن تواجه تحديين أساسيين. الأول يتعلق بسرعة تطوير القدرات العسكرية المطلوبة في ظل التهديدات الروسية، مما يستدعي تكثيف الإنتاج. والثاني يتعلق بضرورة تحقيق الاستقلال التام في الصناعات الدفاعية، بحيث لا تعتمد على مصادر خارج الاتحاد الأوروبي. يُعد الاستقلال الذاتي في الصناعة العسكرية مفتاحًا لاستقلال القرار الأمني والسياسي. يُعتقد أن الدول الأوروبية ستسعى لتوحيد جهودها لبناء قدرات دفاعية منفصلة عن الولايات المتحدة، خاصةً مع تداول فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، لكن تبقى العديد من التحديات، بما في ذلك عدم التوازن في ميزانيات الدفاع.

في خضم هذا الواقع، ومع إصرار الدول الأوروبية على بناء قدرات عسكرية فعالة ومستقلة، يُطرح تساؤل بشأن مستقبل حلف الناتو ومدى التزام الأوروبيين بدفاعاتهم. هل ستكون الدول الأوروبية قادرة على اتخاذ قرارات عسكرية بشكل مستقل، أو حتى نشر قوات في أوكرانيا، كما اقترح بعض المسؤولين الأوروبيين، مما يعني مواجهة روسيا بشكل مباشر؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى