
أ.د. غادة محمد عامر
خبير الذكاء الاصطناعي – مركز المعلومات واتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء
زميل ومحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
في ديسمبر 2024، حدث تصعيد محدود في مدينة حلب بين قوات الجيش السوري والمعارضة، لكن ما فاجأ الجميع هو انهيار النظام بشكل غير متوقع، مما أثار تساؤلات عدة حول الأسباب الحقيقية وراء ذلك. عقب الهجوم الذي وقع في 27 نوفمبر واستيلاء المعارضة على المدينة، لوحظ تراجع واضح لقوات الجيش السوري وعدم مقاومتهم. فقد كانت وحدات الجيش تراقب تقدم المقاتلين بدون أي رد فعل فعلي، وبدا أن مقاومتهم كانت sporadic فقط حتى وصلت قوات المعارضة إلى ضواحي دمشق في 8 ديسمبر 2024.
عند فحص الوضع عن كثب، اتضح أن المسألة تتجاوز قوة المقاتلين المعارضين. فقد ظهر أن هناك أجهزة استخبارات تستغل تقنيات متطورة، إضافة إلى استثمار الانقسام بين الجماعات المعارضة والمشاكل الداخلية، كما حدث في العديد من دول المنطقة منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي”. لم يكن انهيار سوريا أو تدهور سيادتها منذ عام 2011 نتيجة لعوامل سياسية أو عسكرية فقط، بل إن التكنولوجيا كانت عنصراً حاسماً في تسريع تفكك الدولة وكشف نقاط ضعفها الاستراتيجية.
منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في مارس 2011، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الحروب الهجينة التي تجمع بين العمليات العسكرية التقليدية والتقنيات الرقمية المتطورة، مما أتاح للأطراف الدولية استخدام وسائل غير اعتيادية للرصد والتأثير. لقد ساهمت التكنولوجيا الرقمية، بدءًا من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنظمة التجسس والطائرات بدون طيار، في زعزعة الاستقرار للبنية التقليدية للدولة السورية وتآكل سيادتها بين عامي 2011 و2024. لم تعد التكنولوجيا مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل أصبحت عنصرًا حاسمًا في تشكيل موازين القوة العسكرية والروايات، وفي تدويل الصراع. تبنت الأطراف المعادية، وخاصة إسرائيل، استراتيجيات متنوعة لتعزيز مواقفها وإضعاف قوة سوريا كدولة ذات سيادة متماسكة. من بين تلك الاستراتيجيات، تم تنفيذ عمليات اختراق وتخريب للمواقع الإلكترونية، واستخدام هجمات التصيد الاحتيالي لخداع الأفراد للكشف عن بياناتهم الشخصية، مما مكن المهاجمين من التسلل إلى أنظمة حيوية وإجراء عمليات تخريب أو سرقة معلومات حساسة. كما تم استخدام برمجيات خبيثة لسرقة البيانات، ما أتاح للمتسللين مراقبة الضحايا بشكل دائم. وتم القيام بهجمات تعطيل الخدمة على مواقع إلكترونية، مما أثر سلبًا على قدرتها على التواصل مع الجمهور أو المناورة ضد الخصوم.
بالنسبة لجمع المعلومات والرصد، تم تنفيذ عمليات مراقبة مكثفة ضد أفراد الجيش السوري، بهدف التعرف على هويتهم، وتتبع أنشطتهم، وحدود مواقعهم. تم تسريب وثائق تتعلق بالمسؤولين الحكوميين، كما تم استعمال أدوات إلكترونية متطورة سرقت معلومات عن صفقات ومشتريات عسكرية لاستكشاف تفاصيل الأنشطة العسكرية. من الأمور الملحوظة في تلك الهجمات، استخدام تقنية مثل برنامج SilverHawk، الذي استُخدم لاستهداف أجهزة أندرويد وسرقة بياناتها، مما زاد من قدرة المهاجمين على المراقبة عن بُعد. SilverHawk هو برمجية ضارة مصممة لجمع المعلومات بطريقة سرية تضمن عدم اكتشافها بواسطة برامج الأمان. قادرة على جمع بيانات حساسة كالضغطات على المفاتيح ولقطات الشاشة والملفات والاتصالات. عادةً ما تستخدم مثل هذه البرمجيات في هجمات مستهدفة ضد أفراد أو هيئات أو حكومات بهدف الحصول على معلومات استراتيجية. لا يُعرف حتى الآن مصدر هذه البرمجيات، لكن العديد من الخبراء يشيرون إلى احتمال ارتباطها بإسرائيل أو أجهزة الاستخبارات الأمريكية. كل هذه العمليات أدت إلى تفكيك البنية الأمنية والعسكرية السورية.
لقد لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في تسريع انهيار الدولة السورية، مما سمح للجهات المعادية بالتواصل والتنسيق، ونشر المعلومات المضللة، والانخراط في عمليات عسكرية ومدنية، مما زاد من تعقيد الأزمة وأعاق جهود الحل السياسي. تعكس هذه الحالة أهمية ادراك الدول العربية للحاجة إلى استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي، مع ضرورة وضع استراتيجيات للرقابة وحماية المجتمعات من الاستخدامات الضارة، لتفادي سيناريوهات الانهيار التي قد تؤدي إلى فشل الدولة.





