علي الهاشممقالات رأي

“البي ون بي: كيف أحدثت القاذفة الاستراتيجية تحولاً في ميزان القوى الأمريكية – الحلقة الثالثة”

علي الهاشم – باحث ومختص كويتي بمجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية

حينما ابتلع السوفيات الطعم

في خضم التنافس بين القوى العظمى، بدأت الأبحاث حول الأسلحة الشبحية تتسارع سراً في عهد الرئيس “نيكسون” تلتها إدارة “فورد”. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ ازدادت الأنشطة البحثية في فترة “كارتر”، الذي رأى في هذه التكنولوجيا وسيلة حاسمة لتحقيق تفوق على السوفيات. كما أوضحنا سابقاً في الأجزاء السابقة للمقال، فإن إلغاء مشروع القاذفة B-1A ساهم في إخفاء حقائق مهمة عن السوفيات، مما دفعهم للاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد توقفت عن المنافسة. وبالتالي، بدأوا بتطوير أسلحة تكتيكية ذات طابع استراتيجي، مثل القاذفة توبوليف Tu-22M باكفاير.

ظهور القاذفة F-117

في عام 1988، اتخذت الولايات المتحدة قراراً بإزاحة الستار عن القاذفة المقاتلة F-117 الشبحية، والتي كانت سرية منذ دخولها الخدمة عام 1983. من خلال هذه الخطوة، أظهرت واشنطن أن حدود الخفاء لا تتجاوز حجم مقاتلة. لكن السوفيات وقعوا في الفخ، وابتعدوا عن تطوير هذا الجانب. وفي عام 1989، تفاجأ الجميع بالكشف عن القاذفة الاستراتيجية الخفية B-2A، مما أحدث زلزالاً في عالم التكنولوجيا العسكرية.

الفرق بين النموذجين B-1A وB-1B

قد تبدو الفروق بين النموذجين الأول B-1A والثاني B-1B غير واضحة للوهلة الأولى، ولكن الفرق يتجاوز المظهر ليشمل المهام والقدرات. تاريخياً، ألغى الرئيس “كارتر” المشروع الأصلي B-1A، لكن لم يتم تدمير المعدات. بعدها، أعاد الرئيس “ريغان” إحياء المشروع ليظهر الشكل الجديد B-1B. هذه القاذفة تمتاز بتقنية خفاء متطورة وسرعات مُعدلة، حيث انخفض سرعتها من 2 ماخ إلى نحو 1.2 ماخ.

تغيرت مهمة القاذفة B-1B من الضربات الجوية بعيدة المدى بأسلحة موجهة إلى اختراقات منخفضة للغاية باستخدام مجموعة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الجوالة والقنابل النووية والتقليدية. مما يزيد من فعاليتها ضد الأعداء، خاصة الاتحاد السوفيتي ودفاعاته. وقد أثبتت الدراسات أن القاذفات الاستراتيجية الأمريكية تواجه صعوبات بعد عام 1995 في اختراق الدفاعات السوفياتية، مما دفع سلاح الجو الأمريكي لتزويد B-1B بتقنيات حماية متقدمة لتحسين قدراتها.

وثّق التاريخ التطورات العسكرية للقاذفات، وخاصة القاذفة B-1B، التي تميزت بقدراتها الفريدة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي مثل “S-300″ و”بوك (سام – 11)”. ومع إدخال طائرات معترضة جديدة مثل “سوخوي 27” و”ميغ 29” و”ميغ 31”، استطاعت القاذفة أن تحافظ على مكانتها في سماء المعارك.

زوّدت B-1B بأنظمة متطورة مثل نظام التضليل الخداعي AN/ALE-50، الذي يُركب في الجزء الخلفي من الطائرة. هذه التقنية تعزز من حماية أنظمتها الملاحية من الموجات والانبعاثات الكهرومغناطيسية الناتجة عن الانفجارات النووية. وقد تم تجهيزها أيضًا برادار إلكتروني متطور AESA، مما جعلها أول قاذفة عسكرية تتبنى هذه التقنية، مما يعد قفزة نوعية في عالم الطيران العسكري.

كما تتمتع بمحركات قوية من إنتاج “جنرال الكتريك F101-GE-102″، حيث تبلغ قوة دفعها حتى 30750 رطل، مما يمكنها من الطيران باستخدام محرك واحد، حتى لو تعرض الآخرين للعطل.

تتمتع القاذفة B-1B بقدرات استثنائية، حيث يمكن تحويلها إلى طائرة اعتراضية بعيدة المدى بفضل نظام الرادار المتطور. يمكن أن تحمل مجموعة متنوعة من الصواريخ، بما في ذلك صواريخ AIM-54 من طراز F-14 تومكات، وصواريخ جو – جو مطوّرة مثل “أمرام”. بفضل قدرتها على الإطلاق من مسافات بعيدة، تمكنت القاذفة من الدعم الفعّال للمقاتلات الاعتراضية مثل F-15 وF-22 رابتور.

في سياق المهام الخاصة، تستطيع B-1B نشر ألغام بحرية من نوع Mk62 Quick Strike، حيث يمكنها حمل 84 لغمًا ونشرها بسهولة. هذه الألغام تعمل تحت السطح على عمق 300 قدم. أما على اليابسة، فتستطيع حمل 44 لغمًا متنوعًا، تشمل ألغام BLU-91/B المضادة للدبابات والدرع، وألغام BLU-92/B المضادة للأفراد. عندما تُستخدم هذه الألغام بشكل متزامن، تشكل تهديدًا خطيرًا يقف في وجه العدو.

أثناء الحرب

بدأت قاذفة B-1B رحلتها القتالية في عام 1998، حيث قامت بمهمة Desert Fox في العراق، مصدرةً صواريخ جوالة على أهداف استراتيجية نتيجة عدم التعاون من الحكومة العراقية مع مفتشي الأمم المتحدة للأسلحة.

في 1999، شهدت المنطقة البلقانية نشاط B-1B في الحرب ضد صربيا والجبل الأسود، حيث أظهرت القاذفة براعتها في تجاوز الدفاعات الجوية. بفضل الأهداف التضليلية ALE-50، استطاعت طائرات B-1B تجنب صواريخ “سام – 6” وتحقيق النجاح في تدمير الأهداف المحددة.

عام 2001، عند وقوع الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، كانت B-1B في الصفوف الأمامية لمواجهة تنظيم القاعدة في أفغانستان، حيث استخدمتها القوات الأمريكية الخاصة كدعم قوي في المعارك. وفي عام 2003، شاركت B-1B في حملة غزو العراق، مستهدفةً قواعد أنظمة التشويش للدفاع الجوي ومؤثرةً على فعالية الأسلحة الموجهة.

بل تكاد إحدى قاذفات B-1B أن تُسقط صدام حسين أثناء قصف مطعم في بغداد حيث كان مع أسرته، مما كان ليحقق ضربة قاسية في التاريخ.

تخطط B-1B للتقاعد في عام 2035، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات العسكرية الفائقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى