
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
تعتبر القيلولة فترة قصيرة من النوم تتوسط فترة ما بعد الزوال، وهي تساهم في تجديد النشاط والطاقة. تعتبر القيلولة التكتيكية من الأمور الحيوية في المجالات العسكرية، حيث يحتاج الفرد المقاتل إلى هذه القيلولة ليعيد حيويته ويشعر بالراحة خلال العمليات الحربية. تعزز هذه القيلولة الأداء الجسدي والمعرفي أثناء فترات العمل، وفي أوقات المهام الصعبة.
نظرًا للقيمة الكبيرة للقيلولة في تجديد النشاط وتحسين التركيز الذهني والجسدي، تنص اللوائح الصحية العسكرية على ضرورة حصول الأفراد العسكريين على قسط كافٍ من النوم حتى في أصعب الظروف الحربية. يعد هذا الأمر ضروريًا لضمان تحقيق أداء متميز، حيث يؤثر بشكل مباشر على جودة تنفيذ المهام. إدراكاً منهم أن النوم طوال الليل قد لا يكون دائمًا متاحًا، يسعى المقاتلون للاستفادة من الفرص التي توفر لهم للحصول على هذه القيلولة.
تعكس القيلولة تأثيرها البالغ على العمليات القتالية، حيث يكون العسكريون قلِقين بشأن سلامتهم وقد يواجهون ظروف نوم غير مريحة. كما أن الأحداث الصادمة السابقة وإصابات الدماغ الرضخية يمكن أن تؤدي لمشاكل إضافية في النوم. لذلك، يُعتبر الحصول على نوم كافٍ أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة للعديد من العسكريين.
يُشير الخبراء إلى متوسط ساعات النوم الضرورية، حيث ينام الأفراد العسكريون عادةً حوالي ست ساعات يوميًا، لكن يُفضَّل أن تكون سبع ساعات على الأقل للحصول على فوائد القيلولة القصيرة، ويعتبر الوقت المثالي للنوم القصير هو بين الساعة الواحدة والرابعة مساءً.
تؤثر قلة النوم سلبًا على الأداء القتالي، إذ تُعتبر اضطرابات النوم تهديدًا حقيقيًا للاحتياج القتالي ولنجاح العمليات العسكرية. لذا، يعد إيلاء أهمية لأوقات النوم أثناء فترات الانتشار أساسيًا لتحقيق تحسينات مستمرة على الأداء. يشدد معهد أبحاث والتر ريد الأمريكي على ضرورة هذا الأمر.
تتناول الأبحاث العلمية بتفصيل كبير أهمية النوم للأفراد العسكريين. وتُؤكد الدكتورة سارة ألجير، عالمة أبحاث النوم، على وضع استراتيجيات فعالة لتعزيز فرص النوم لدى المقاتلين، مما يسهم بشكل إيجابي في تحسين قوتهم وكفاءتهم في مواجهة التحديات العسكرية.
تعتبر فترات النوم الطويلة أحياناً غير فعالة، وفي هذا السياق، يمكن أن تفيد “ممارسة القيلولة التكتيكية” في تحقيق المعدل المطلوب من النوم، الذي يُوصى به بأن يكون سبع ساعات كل 24 ساعة. من المفضل أن تكون القيلولة في بيئة مظلمة وهادئة، لكن في ظروف العمليات العسكرية، يصعب ضمان هذا الهدوء. أصوات الانفجارات وضجيج العمليات تسهم في خلق بيئة غير آمنة، لذلك يتم تدريب المقاتلين على استخدام تقنيات النوم لتحقيق استراحة كافية، حتى تحت أصعب الظروف. هذه التقنيات تعزز فاعليتهم خلال المهام الحربية، وتساعدهم على الاندماج بشكل أسرع مع زملائهم، مما ينعكس بشكل إيجابي على أداء واجباتهم.
تقنية أمريكية للحصول على قيلولة مريحة وسريعة.
نظرًا لأهمية النوم وتأثيره الملحوظ على صحة الأفراد العسكريين، يقوم الجيش الأمريكي بتطبيق تقنية فريدة لتسهيل النوم والحصول على قيلولة مريحة. تُظهر الدراسات أن هذه الطريقة يمكن أن تساعد أي شخص على النوم في ظرف دقيقتين، وفقًا لما أشير إليه في كتاب “Relax and Win”. تم تصميم هذه التقنية لضمان عدم ارتكاب الجنود للأخطاء خلال العمليات القتالية بسبب التعب والإرهاق، وتتضمن الخطوات التالية:
- إرخاء عضلات الوجه، بما في ذلك اللسان والفك والعضلات المحيطة بالعينين.
- تخفيض الأكتاف للأسفل، مع التركيز على جانب واحد في كل مرة.
- الزفير مع إرخاء الصدر وتمديد الساقين من الفخذين إلى الأسفل.
- يجب على الشخص قضاء 10 ثوانٍ في محاولة تصفية ذهنه، قبل التفكير في إحدى الصور التالية:
- الاستلقاء في زورق طويل خفيف فوق بحيرة هادئة، تحت سماء زرقاء صافية.
- الاستلقاء في أرجوحة سوداء داخل غرفة حالكة.
- تكرار “لا تفكر، لا تفكر، لا تفكر” لنحو 10 ثوانٍ.
تُظهر الأبحاث أن هذه الأسلوب ينجح بنسبة 96% للممارسين بعد ستة أسابيع. ومع ذلك، كما يوضح خبير النوم البريطاني د. نيل ستانلي، يُعتبر تهدئة العقل العامل الأكثر حيوية للحصول على نوم هانئ. يبقى أن البعض يواجه صعوبة في النوم حتى في الظروف الملائمة، مما يُبرز الحاجة لاستخدام هذه التقنية بشكل متزايد بين العسكريين والمدنيين على حد سواء.
تتفاوت فترة القيلولة المناسبة، ولكن يُفضل عادةً أن تكون القيلولة قصيرة، من دقيقتين إلى 20 دقيقة، وهو ما توصي به وكالة ناسا لعلوم الفضاء. أما القيلولة لمدة ساعة ونصف إلى ساعتين، فقد تتسبب في دوار وتقويض دورة النوم المعتادة.
عند معظم الأشخاص، تمتد دورة النوم الكاملة إلى حوالي 90-110 دقيقة، مما يسمح للدماغ والجسم بالدخول إلى مراحل النوم العميق، ويجعل الشخص أقل استجابة للمؤثرات الخارجية. من يتبع تلك المدة يستفيد من فوائد دورة النوم دون التعرض لخطر الدوار عند الاستيقاظ. لكن بالنسبة للقيلولة التكتيكية، يجب أن تبقى لفترة قصيرة لضمان بقاء العسكريين في حالة انتباه ويقظة عالية.
تُظهر بعض الدراسات أن القيلولة لفترات طويلة قد يكون لها آثار سلبية على صحة الإنسان عامة، وخاصة على النظام القلبي الوعائي. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن القيلولة تخلو من الفوائد، بل أن تلك الفوائد تختلف نسبياً بين الجنسين؛ حيث من الممكن أن تعزز فترات النوم القصيرة ذكاء الرجال أكثر من فترات النوم العميق للنساء.
بشكل عام، يؤكد الخبراء أن القيلولة تحمل فوائد متعددة للبالغين الأصحاء، تشمل: الاسترخاء وتقليل مستوى التوتر، وكذلك تعزيز اليقظة وتحسين المزاج والأداء، بما في ذلك سرعة رد الفعل والذاكرة الأفضل.
من العسكريين المعروفين الذين اشتهروا بممارسة القيلولة هو نابليون بونابرت، الذي عُرف بإغفاءاته المتعددة حتى خلال الاجتماعات الوزارية، حيث كان يستيقظ ليواصل حديثه بعد لحظات من النوم.





