
العميد ناجي ملاعب – باحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية
ثانياً: مصر – إثيوبيا وسد النهضة
أ. تحديات سد النهضة أمام الأمن القومي المصري
تشير العديد من الأبحاث إلى أن إثيوبيا تقلل من مخاطر سد النهضة بناءً على مشورة خبراء إسرائيليين. ففي تصريح لوكالة التعاون الدولي الإسرائيلية ماشاف على “فايسبوك” بتاريخ 3/12/2019، تم الإشارة إلى مشاركة 20 خبيراً إسرائيلياً في تطوير تقنية المياه والزراعة في إثيوبيا. رغم ذلك، يتفق معظم الخبراء المصريين على وجود مخاطر كبيرة، كما هو موضح أدناه:
1. يتواجد السد في منطقة فالق زلزالي، مما يعرضه لاحتمالية الانهيار بسبب زلزال بقوة أكثر من 4 درجات على مقياس ريختر، مما قد يؤدي إلى غمر مساحات واسعة من مصر والسودان (حيث يبعد السد 40 كم عن الحدود). وفقاً للمخططات الأمريكية منذ عام 1964، فإن هذه المنطقة تفتقر إلى القدرة على استيعاب أكثر من 11 مليار متر مكعب، وهو ما دفع الخبراء المصريين إلى مناشدة إثيوبيا بتقليص التخزين إلى أقل من 30 مليار متر مكعب.
2. تعتمد مصر على نهر النيل بنسبة تصل إلى 85% من حصتها المائية، ويقدر الخبراء أن ملء سد النهضة خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات سيؤدي إلى تراجع 20% من حصة مصر المائية. لذا، سيتقلص نصيب الفرد من المياه من 2,500 متر مكعب سنوياً إلى 600 متر مكعب.
3. قد يتسبب ملء سد النهضة في بقاء السد العالي فارغاً لمدة 12 عاماً، مع وجود اختلافات بين مصر التي تطالب بملء السد خلال 10 أعوام، وإثيوبيا التي ترغب في الانتهاء خلال 3 أعوام فقط. هذا الوضع قد يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة، تشمل:
– جفاف المساحات الزراعية الكبيرة، مما يسبب تراجع محاصيل مثل الأرز من 1.8 مليون فدان إلى 724 ألف فدان، أي نحو 40% من المساحة الحالية في عام 2020.
– انخفاض منسوب المياه الجوفية، مما قد يتسبب في فقدان مصر ما بين 11 إلى 19 مليار متر مكعب من المياه، وزيادة نسبة ملوحة التربة نتيجة تداخل مياه البحر، مما يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والثروة السمكية.
4. استمرار إثيوبيا في مشروعها قد يشجع دول حوض النيل الأخرى على بناء سدود مشابهة، مما يزيد من المخاطر المحدقة بمصر والسودان، ويؤدي لاندلاع نزاعات مريرة في الشرق الإفريقي.
بـ. دور إسرائيل في مشروع سد النهضة الإثيوبي
منذ البداية، كانت فكرة استخدام مياه نهر النيل ضمن السياق الاستراتيجي الصهيوني. فقد بدأت المقترحات لإنشاء مشاريع تنقل مياه النيل إلى إسرائيل منذ عام 1903، وذلك عبر دعوات من ثيودور هرتزل. هذه الفكرة عادت للظهور بين عامي 1964 و1974 وتكررت خلال التسعينيات، مما يجعل من الواضح أن مسألة توصيل مياه النيل للنقب كانت محوراً في المناقشات.
لعبت إسرائيل دورًا محوريًا في ملف المياه الإفريقية
تعود المفوضات المصرية – الإسرائيلية حول المياه إلى اتفاقيات كامب ديفيد (1978 – 1979)، حيث برزت مناقشات جادة كانت قد بدأت في عام 1974 بفضل دراسات اليشع كالي ومشروع شاؤول أرلوزوروف عام 1977. كلاهما كان له دراسة حول المياه في المنطقة. أكدت هذه الأبحاث على ضرورة استكشاف بدائل جديدة مثل مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان، الذي طرح كمصدر لتعويض مصر عن المياه المخصصة للنقب. لكن هذا المشروع أثار العديد من المشكلات في جنوب السودان، مما أسهم في تفاقم النزاع والنتيجة النهائية بانفصال الجنوب، ليصبح واحدًا من الدول الإفريقية الأقرب إلى إسرائيل.
من جهة أخرى، لفتت الأنظار جهود الجامعات الإسرائيلية في دراسة المياه الإفريقية، خصوصًا دول حوض النيل. يعكس هذا الاهتمام رغبة إسرائيل في الضغط على مصر من خلال دعم مشاريع دول الحوض، أو من خلال إقامة مشاريع مشتركة تسهم في تعزيز عمليات التطبيع.
تحتل إثيوبيا مركز الصدارة بين الدول الإفريقية التي تسترعي اهتمام السياسة الإسرائيلية. تعززت هذه العلاقة بفضل الدعاية الإسرائيلية التي تربطها بجذور تاريخية ومعاصرة، بدءًا من زمن الإمبراطور هيلا سيلاسي. وقد تسليط الضوء على الروابط السكانية، حيث يقدر عدد اليهود الإثيوبيين في إسرائيل بنحو 140 – 150 ألف نسمة، جاء ليعكس أيضًا التقدم الذي شهدته العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا، لا سيما في مجالات الدعم العسكري والتقني.
عند النظر في الدور الإسرائيلي في توتر العلاقات حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا – من 2011 إلى 2020 – يمكن تسليط الضوء على الأمور التالية التي تفرض فهمًا أعمق للأزمة:
- تتوفر معلومات تشير إلى وجود طابق كامل في وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يضم خبراء مياه إسرائيليين يقدمون استشارات فنية وتفاوضية. وقد أكد ذلك مسؤولون مصريون وسودانيون معنيون.
- سجل نشاط ملحوظ من الشركات الإسرائيلية المرتبطة بمشاريع بناء سد النهضة. من الشركات البارزة التي تعمل في المنطقة شركة سوليل بونيه، التي تعاقدت مع العديد من مشاريع البناء في كينيا وإثيوبيا.
- زادت إسرائيل من حجم استثماراتها في قطاع الطاقة في 2018 بقيمة 500 مليون دولار، بتعاون مع جامعة إثيوبية تمثل أكثر من 10 مؤسسات إسرائيلية تعمل في البلاد، مما يشير إلى طموحات تل أبيب في التأثير على المصالح المصرية.
- تسيدت التقارير حول نشر نظام دفاع جوي إسرائيلي حول سد النهضة. تم تطوير النظام الذي يمكنه التصدي للطائرات الحربية من قبل عدة شركات إسرائيلية متخصصة في الدفاع.
تشير هذه التطورات إلى تزايد العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا حول قضايا المياه، وفي نفس الوقت تعزيز موقف تل أبيب في المنطقة.
وصل حجم التبادل التجاري بين إثيوبيا وإسرائيل إلى حوالي 300 مليون دولار حتى عام 2019، مع وجود 187 مشروعاً إسرائيلياً في إثيوبيا، معظمها يعمل في مجال الزراعة حتى عام 2017.
على الصعيد الأمني، زادت وتيرة التعاون بين الطرفين بعد وقوع تفجيرات في السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، بالإضافة إلى الهجوم على متجر يهودي كبير في كينيا عام 2013 بواسطة مجموعة “الشباب” الصومالية. تدرك إسرائيل أهمية إثيوبيا بوصفها نقطة انطلاق نحو المحيط الهندي والبحر الأحمر، الذي يشكل مرور 20% من تجارتها الخارجية، فضلاً عن كونها تسيطر على منابع النيل. كل ذلك يعزز من التعاون في مجالات التصنيع والتدريب العسكري بينهما.
تسليط الضوء الإعلامي والسياسي على مصر يحمل دلالات واضحة؛ إذ تشير تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن السياسات المائية المصرية أثرت سلباً على المصالح الإثيوبية. وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن تأثير هذه السياسات على إثيوبيا امتد لعقود، حيث تعاني إثيوبيا، الغنية بالمياه، من التزام باتفاقيات تمنعها من استخدام مواردها لتأمين المياه لـ90 مليون نسمة، مما أدى إلى معاناتها من فترات جفاف ومجاعة.
يجب أن يتوجه صناع السياسات والباحثون في العالم العربي نحو فهم عميق لدور المياه، مع ضرورة اعتماد استراتيجيات تسهم في إدارة وتخصيص موارد المياه كآلية لربط المجتمعات. فالتيارات المائية التي تمثلها السدود في إثيوبيا على نهر النيل، وما يحدث في تركيا على نهري دجلة والفرات، تشكل تهديداً حقيقياً للأمن المائي العربي، مما يزيد من أعباء الأمن القومي العربي اليوم.
حسب دراسة الدكتور وليد عبدالحي، تشير النتائج إلى أن إسرائيل مهتمة بإضعاف الدول العربية أكثر من انشغالها بإضعاف الأنظمة، حيث تدرك مركزية مصر في النظام الإقليمي. وبالتالي، تغيير النظام المصري إلى نظام معادٍ سيشكل خطراً كبيراً على إسرائيل إذا كانت مصر قوية. لذا، تسعى لإبقائها ضعيفة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مما يجعلها في حالة تراجع.
جـ. استعدادات عسكرية وأمنية لمواجهة العواقب المحتملة
في إطار التصعيد الواضح لأزمة سد النهضة، نظمت مصر والسودان مناورة عسكرية ضخمة تحمل اسم “حماة النيل”، بمشاركة قوات برية وبحرية وجوية. وتهدف هذه المناورة، وفقاً للمتحدث العسكري المصري، إلى تعزيز الجاهزية المشتركة وزيادة الخبرات العسكرية للقوات المسلحة في البلدين. هذه المناورة تأتي استكمالاً لسلسلة من التدريبات السابقة.
مع الأخذ بعين الاعتبار تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري حول رد فعل مصري محتمل إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء في الأزمة، يبقى الموضوع مفتوحاً أمام احتمالات تشمل الخيارات العسكرية. هل ستشكل هذه المناورة ضغطاً معنوياً على إثيوبيا لتأجيل الملء الثاني للسد؟ أم أن وجود القوات المصرية يهدف إلى حماية السودان من أي رد فعل قوي من إثيوبيا في حال توجيه ضربات عسكرية لسد النهضة؟
يتبع





