
العميد م. ناجي ملاعب*
تعتبر الجيوش استثمارًا كبيرًا، إذ تتطلب التهيئة والتدريب والصيانة لتحقيق مستويات الأداء المرجوة. تُشكّل الجيوش بشكل رئيسي للتصدي للاعتداءات الأجنبية والاستجابة لتهديدات الأمن غير التقليدي، مثل النزاعات الداخلية والجريمة المنظمة والإرهاب. في هذا السياق، سنتناول دور القوات المسلحة في المجالات المدنية وكيفية مساهماتها في تعزيز الأمن المحلي.
أولاً: دور القوى العسكرية في المجالات المدنية
يلاحظ تزايد انتشار الجيوش في مهام تشبه أعمال الشرطة، وهو ما يختلف كثيراً عن القتال العسكري. وهذا الأمر يسلط الضوء على دورها في حفظ حقوق الإنسان، نظرًا لنقص التدريب والكفاءة في هذا المجال.
لمواجهة التهديدات بشكل فعال وتعزيز القدرة المهنية لقواتها، يتعين على الحكومات إعادة النظر في استراتيجيات الأمن، وتبني مفهوم الشرطة المجتمعية. تنظيم وهياكل قوات الأمن ليكونوا أكثر توافقًا مع التحديات المحددة سيكون له تأثير إيجابي على فعالية الجيوش وإعادة هيبتها.
يحتاج عمل منظمات حقوق الإنسان إلى نهج يقر بالتحديات الواقعية للشرطة، مما يسهل التواصل معهم بدلاً من التصرف من منظور نقدي خارجي. يتطلب هذا التعامل الاستجابة الكريمة والفعالة لمخاوف حقوق الإنسان والإصلاحات القائمة على تلك المبادئ.
في لبنان، يقدم الجيش مثالاً يحتذى به، حيث يبذل جهودًا كبيرة لبناء البنية التحتية في البلاد. يتضح ذلك خلال الأزمات والكوارث، ومن المهام التي نفذها:
- إنشاء جسور ثابتة ومتحركة لاسيما خلال الحروب المتكررة.
- المساهمة في إعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك الماء والكهرباء والطرقات في المناطق المتضررة.
- توفير طرقات في القرى النائية.
- التعاون في إطفاء الحرائق وإجراء حملات تحريج واسعة.
- إعادة تأهيل المواقع السياحية وتنظيف المناطق الملوثة.
- إدارة الأزمات الطبيعية بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية.
- توزيع الإغاثة على المواطنين خلال الكوارث.
- تقديم مساعدات للمناطق الفقيرة والمساهمة في دعم المؤسسات التعليمية والصحية.
- تعزيز التعاون العلمي والثقافي مع الجامعات والمنظمات المدنية.
الجيوش في مواجهة كورونا
أصبحت الجيوش والأجهزة العسكرية جزءًا من الجهود المبذولة لمكافحة انتشار جائحة كورونا. دورها المحوري في التصدي للأزمات الصحية العامة يعكس أهمية التنسيق في مجالات الدفاع والصحة العامة.
فيروس كورونا المستجد أصبح شغل العالم الشاغل. دفع انتشار الفيروس الدول العربية والغربية إلى إعلان حالة الطوارئ وتعزيز عمل الجيوش وأجهزة الشرطة وحرس الحدود، لتفادي انتشار العدوى. حيث ساهمت تلك القوات في ضمان الالتزام بتعليمات الحجر الصحي، وفرض بعض قيود التجوال، كما شاركت في مهام مدنية واستعانت بالطواقم الطبية العسكرية.
أوروبا تلجأ لتعبئة جيوشها ضد كورونا
في دول الاتحاد الأوروبي، أضحى الجيش سلاحاً رئيسياً لمواجهة الفيروس. فقد استدعت فرنسا جنودها لتطبيق حالة الطوارئ، ونشرت قواتها في المناطق المتضررة. وفي هذا الإطار، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون بدء إنشاء مستشفى عسكري في منطقة الإلزاس القريبة من الحدود الألمانية. في حين لجأت إسبانيا بالفعل إلى الجيش لفرض حظر التجول، وقررت السلطات السويسرية تعبئة نحو 8000 جندي لتقديم الدعم للحكومة في حال تفشي المرض.
كما أعلنت الحكومة الألمانية على لسان وزيرة الدفاع أنيغريت كرامب-كارنباور عن استعدادات الجيش الألماني للمساعدة في مواجهة أزمة فيروس كورونا، في حال تعرضت المؤسسات المدنية لضغوط كبيرة. أكدت الوزيرة: “نستعد لأسوأ الاحتمالات إذا أصيب عدد كبير جداً من الأشخاص، ولدينا الموارد البشرية للمساعدة.” وقد وصفت كرامب-كارنباور جهود مكافحة فيروس “كوفيد-19” بأنها ماراثون طويل.
وتجري حالياً اتصالات مع مئات من ضباط الاحتياط الطبيين، مما يمنح الجيش القدرة على حماية البنية التحتية الحيوية وتوزيع المعدات الطبية والأدوية إذا لزم الأمر. وأفادت وزيرة الدفاع الألمانية بأن النظام الصحي في الجيش يعد شريكاً أساسياً للنظام الصحي الألماني، ويضم حوالي ثلاثة آلاف طبيب.
الشرطة ودورها في حماية المستهلك
يبرز دور الشرطة كأحد المهام الرئيسية في فرض إجراءات الحجر الصحي في العديد من الدول. مثلاً، تدخلت الشرطة الجزائرية لإنهاء حفل زفاف مُخالف للإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وفقاً لمصادر إعلامية.
وفي مصر، ساهمت عناصر الشرطة في توجيه المواطنين نحو اتخاذ تدابير صحية، ومنعت التجمعات، وأغلقت المقاهي والمراكز التجارية. وفي العراق، حملت الشرطة مسؤولية توعية المواطنين حول كيفية الوقاية من الفيروس.
أما على المستوى الأوروبي، فقد أصبحت الشرطة في كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا جزءاً من الجهود الحكومية لفرض القيود على تحركات المواطنين، حيث قامت بتوجيههم للمحافظة على التباعد الاجتماعي والالتزام بحظر التجول.
عبر الطلب على مساعدة الشرطة، تسعى الحكومات إلى تطبيق قوانين حالة الطوارئ وفرض العقوبات على المخالفين. دوريات مراقبة الأسعار تلعب أيضاً دوراً حيوياً، حيث ساهمت في مصر في مراقبة الأسعار وتنظيم مواعيد الإغلاق للمحلات التجارية، مع توقعات بأن تلجأ دول عربية لمثل هذه الخطوات للحفاظ على سلاسة التعامل التجاري والتأكد من عدم حدوث اضطرابات في المخزون التمويني.
إسهامات كبرى للجيوش العربية ضد الفيروس
عربياً، تصدرت الأردن قائمة الدول التي استخدمت جيشها في تطويق المدن، بتمكين الحكومة من اتخاذ قرارات ضمن “قانون الدفاع”. حيث عملت قوات حرس الحدود على مراقبة الوافدين من الدول التي أعلنت حالة الطوارئ، وتطبيق الحجر الصحي عليهم فور وصولهم.
تبرز الجهود الكبيرة التي تبذلها الجيوش العربية في محاربة فيروس كورونا، فلا شك أن دور القوى الأمنية والعسكرية يشكل عاملاً أساسياً في مواجهة هذه الأزمة العالمية.
تعتبر المدخلات العسكرية الطبية جزءًا أساسيًا تتطلع إليه العديد من الدول، مثل فرنسا والصين. فقد استفادت هذه الدول من خبرات فرقها العسكرية المرابطة في مجالات الأوبئة لمواجهة الأزمات الصحية. ويشمل هذا الأمر أيضًا الكليات الطبية العسكرية المنتشرة في الدول العربية، وبالأخص مصر. ومع ذلك، تظل النقاشات حول قدرة هذه القوات على تأدية المهام المنوطة بها مثار جدل كبير بين المواطنين، كما تم الإشارة إلى ذلك في بعض المدونات على مواقع التواصل الاجتماعي.
في المغرب، ساهمت القوات شبه العسكرية، مثل الدرك الملكي، بشكل لافت في تعقب المواطنين العائدين من رحلات خارج البلاد الذين يُشتبه بإصابتهم، حسبما أفادت صحف محلية. حيث أجرى الدرك جولات في القرى والمدن التي يُرجح أن ينتشر فيها المرض لتحديد مواقع الأفراد المشتبه بإصابتهم وإخضاعهم للفحوصات اللازمة.
كيف تساهم الخبرات المدنية في تعزيز القدرات الدفاعية العربية؟
كما أشرنا، يلعب الخبراء المدنيون دورًا محوريًا في تعزيز القدرات الدفاعية. لذا، تبرز الحاجة الملحة للاعتماد على تلك الخبرات في صياغة استراتيجيات دفاعية تضمن الأمن القومي. تشمل هذه الخبرات مجموعة من الاختصاصات التي يمكن أن تدعم الجيش الحديث في مواجه التحديات التكنولوجية والتنظيمية الحالية، بما في ذلك الأمن السيبراني. إن تحسين آليات صنع القرارات استنادًا إلى البيانات والتعاون بين القطاعات المختلفة يعد أمراً أساسياً لمواجهة التحديات المطروحة.
تسعى الجيوش المتقدمة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك بعض جيوش دول مجلس التعاون الخليجي، إلى توظيف الآلاف من المهنيين المدنيين. بينما، يعاني أداء العديد من القوات المسلحة في بعض البلدان العربية بسبب عدم الاستفادة من هذا التعاون، مما يؤدي إلى تدهور مستوى الدفاع الوطني.
تواجه قطاعات الدفاع العربية صعوبة في الاستفادة من المساعدات العسكرية الأجنبية بسبب غياب المحاسبة الفعلية واحترام المعايير المدنية. يفتقر معظمها إلى الكفاءات المدنية الأساسية التي يمكن أن تعزز من قدراتها وتساعد في جعل هذه المساعدات أكثر فعالية. بالإضافة إلى ذلك، ترفض العديد من هذه القطاعات الانخراط في أي نقاش عام يتعلق بالسياسة الدفاعية.
من خلال تعزيز دور المدنيين في الشؤون الدفاعية، يمكن بناء علاقة متوازنة بين المدنيين والعسكريين مما يعزز الأمن في المجتمعات العربية. تظهر الدلائل الأولية من بعض الدول العربية، وخاصة دول مجلس التعاون، أن دور المهنيين المدنيين أسهم في تحسين مستوى الأداء والمحاسبة في الجوانب الدفاعية.
لتعزيز مشاركة المدنيين في الشؤون الدفاعية، يمكن النظر إلى ثلاثة محاور رئيسية. الأول هو تعزيز الحوار العام حول الشؤون الدفاعية لتمهيد الطريق لإصلاحات عسكرية ومصادقة على الخطط الاستراتيجية. في لبنان، على سبيل المثال، تسهم مشاركة الخبراء المدنيين في تحقيق حلول جديدة من خلال التعاون بين مختلف الأطراف.
المحور الثاني يتمثل في ضرورة وجود علاقات مفيدة للطرفين بين المدنيين والمجندين. يتطلب ذلك تضمين الخبرة المدنية والمشاركة في نبض الحياة الدفاعية بالمجتمع المدني ومراكز الأبحاث. أدرك القادة في تونس أهمية هذه التعاونات وبدأوا في العمل معًا لمواجهة التحديات الأمنية.
أما المحور الثالث، فإنه يتمحور حول تحسين تخطيط السياسات الدفاعية عبر الاستفادة من الخبرات المدنية. إدماج أولئك المعنيين في العمليات التخطيطية قد يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل. على سبيل المثال، تسهم الدراسات المنهجية في الكليات الدفاعية في الإمارات في بناء لغة مشتركة بين القادة المدنيين والعسكريين مما يعزز سياسات الأمن القومي.
* باحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية





