
العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني
أعلنت حالة الحرب، ولكن هذه المرة، شهد الموقف تحولًا جذريًا بعيدًا عن السيناريوهات التقليدية. فقد بدأت العمليات الفعلية مع حملات إعلامية موجهة، حيث انطلقت الأقلام لنقل الحقائق، مما يشير إلى أن الصراع تغير بشكل كبير. لم تعد الحروب تقليدية؛ بل تطورت إلى عمليات تتضمن أدوات وأساليب جديدة تلبي متطلبات العصر، مما جعل المعركة تأخذ أشكالاً عدّة، بعضها يتسم بالخفاء وأحيانًا بالوضوح والقوة.
لقد أصبحت الكلمة أكثر قوة من الرصاصة، ومداها غير محدود. تأثيراتها تتجاوز الحدود الجغرافية وتصل إلى العالم بأسره. وأصبح بإمكان المخططين أن يوجهوا هذه الأبعاد بشكل يحقق أهدافهم عبر قوة العبارات وإرادة الكاتب.
إنها حرب الإعلام الجديدة، حيث يتقاطع دور الإعلامي مع دور الجندي. كلاهما مستعد دائمًا للدفاع عن الوطن، الأول مسلحًا بقلمه وأدواته، والثاني مسلحًا بسلاحه. يظل كلاهما مخلصًا لوطنيته، يتابعان العدو ويتعاونان لرفع المعنويات، حيث تُعتبر الكلمة سندًا يُعزز من قوة السلاح، حتى لو كان حديثًا ومتطورًا.
في هذا السياق، تطور الإعلام ليصبح نوعًا مميزًا من الحروب. لم يعد مجرد وسيلة بل أداة استراتيجية تهدف إلى تحقيق غايات محددة. يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات تطورات تلبي احتياجات العصر الحديث.
يُعتبر الإعلام أحد أقوى أدوات الاتصال في عصرنا، حيث حظي بتقنيات مبتكرة. يُعد الإعلام العسكري جزءًا متخصصًا من الإعلام الشامل، وهو عنصر أساسي في بناء الأمن الوطني للدولة وطريقة فعالة لنقل أنشطة القوات المسلحة إلى المجتمع. يتطلب ذلك تفاعلًا قويًا مع التهديدات المختلفة، بهدف تعزيز استراتيجية الدولة في التصدي لتلك التحديات.
غايات الإعلام العسكري:
- غرس مبادئ العقيدة العسكرية وتعزيز قيم التضحية من أجل الوطن.
- تعزيز روح الانتماء والحب لوطنهم، والتركيز على ولاء الشعب للوطن.
- التصدي لأي هجمة إعلامية قد تؤثر على الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة والمواطنين.
- توضيح الموقف السياسي للدولة وتطوراته، مع مراعاة الآراء الداخلية والخارجية.
- زيادة حماس القتال ورفع الروح المعنوية من خلال إبراز التاريخ العسكري للوطن.
- التنسيق مع الجهات المختصة لضمان تلبية الأهداف المرجوة.
يمثل الإعلام الوطني دورًا محوريًا في تعزيز فعالية الجيش، مما يساهم في تشكيل رأي عام يتسم بالوعي الوطني، حيث يكون الجيش مثقفًا يدرك واجباته وحقوقه، ويقضي على التساؤلات بخصوص دوره كمدافع عن وطنه وشعبه. كما يعزز هذا الإعلام تقدير واحترام الشعب لتضحيات قواتهم المسلحة.
تعد تغطية العمليات العسكرية في أوقات الحرب جانبًا حاسمًا؛ حيث يجب أن تعكس نقل الأحداث بدقة الموضوعية والشفافية اللازمة لتعكس تطور الصراع المسلح عند حدوث المعارك والأزمات.
الجهات المستهدفة من الإعلام العسكري
تحدد القيادة العسكرية استراتيجيتها الإعلامية وفق عدد من الأهداف، حيث يسعى الإعلام العسكري بالتعاون مع جميع أجهزة الإعلام بالدولة لتحقيق هذه الأهداف. تشمل الجهات المستهدفة مجموعة من الأطراف العسكرية والمدنية، مع تأكيد على ضرورة توجيه الرسالة إلى فئات معينة من المجتمع، إلا أنها تتوجه أيضًا إلى الجماهير بصورة عامة، للتأكيد على التعاون مع الأجهزة المدنية.
خصائص الإعلام العسكري
لكي يكون الإعلام العسكري فعالًا، يجب أن يتمتع بعدة ميزات أساسية تشمل:
- الموضوعية: يجب أن يتماشى دور الإعلام مع مهمات الجيش، مع ضرورة الحفاظ على موضوعية الأخبار والأحداث العسكرية وتجنب الإثارة المبالغ فيها.
- دقة المعلومات: تعتبر المعلومات الدقيقة أساسية للمصداقية؛ يجب أن تصل المعلومات إلى الجمهور بوضوح لضمان الثقة.
- السرعة في إيصال المعلومة: من الأهمية بمكان أن يكون الإعلام قديمًا لرصد الأحداث في لحظتها، مما يحفظ للمشاهد الاحترام ويؤمن المعلومات قبل تزييفها من وسائل الإعلام الأخرى.
- المرونة: يجب أن يتمتع الإعلام بقدرة على التكيف مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
- التكامل: يتطلب التنسيق مع كافة وسائل الإعلام لتحقيق دوره الوطني في إطار العمل الإعلامي للدولة.
- التطور: يتعين على الإعلام متابعة الأحداث وتبني التكنولوجيا الحديثة لتحسين جودة المحتوى.
- التنوع: ينبغي تقديم رسالة متنوعة من خلال برامج تغطي العديد من الجوانب مثل الدينية، الاجتماعية، والثقافية وغيرها.
- الأمن والوقاية: يتطلب الإعلام العسكري رقابة صارمة في جميع مراحله لضمان سلامة الوطن والمواطن.
أهداف الإعلام العسكري
تتطلب الحاجة الملحة لإستراتيجية وطنية شاملة تحقيق الأهداف الإعلامية العسكرية على مستويات متعددة من خلال:
- تعزيز تكامل العمل الإعلامي عبر جميع الوسائل لضمان الترويج الواسع للمنتج الإعلامي، مما يساعد على إنشاء قاعدة متابعين واسعة.
- تيسير الحوار بين الأجهزة المختلفة للدولة لتحقيق الأهداف المشتركة.
تعمل مختلف فئات الشعب على تعزيز الإبداع والتواصل، مما يساهم في بناء روابط وثيقة بين أبناء الوطن. هذا التآخي يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية من خلال الاقتناع والعمل الجاد.
يسعى المشروع إلى تعزيز الوعي لدى المواطن، مما يثري شخصيته ويقنعه بالقضايا الأساسية التي تركز على تأمينه وأمن الوطن بشكل عام. لتحقيق هذه الأهداف، يتطلب الأمر تعاونًا شاملاً بين جميع مؤسسات الدولة.
تقوم الرسالة الإعلامية بدور فعال في تقوية المواطن ضد الغزو الفكري والإعلامي الأجنبي، مما يعزز الهوية الوطنية ويحقق الأمن الثقافي والإعلامي في مواجهة التيارات الوافدة.
يجب صياغة نظام إعلامي مبتكر وقادر على التصدي للتحديات المستقبلية، مع الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية، وعدم السماح بتأثير الأفكار والثقافات الأجنبية.
الإعلام العسكري العربي:
تتواجد العديد من الصحف والمجلات العسكرية العربية، بالإضافة إلى المواقع المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه التطورات تمثل خطوة نوعية في إعلام الدفاع، حيث تعتبر مصدرًا غنيًا للمعلومات الرسمية والموضوعية حول الأحداث العسكرية والسياسية، وتساهم في المشاركة بالمحافل الدولية.
في ليبيا، تتصدر مجلة المسلح المشهد الإعلامي العسكري، حيث تسعى لاستعراض أحدث تقنيات الدفاع والأمن الوطني. يُظهر نشاط المجلة في المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية، وتدعمها مجلات مثل الأفق ودورية التدريب. كما تم إطلاق برنامج إذاعي باسم (نسور الجو) برعاية القوات الجوية الليبية، لتقديم معلومات بصورة مبتكرة وممتعة للجمهور.
توجد أيضًا مواقع إلكترونية مثل موقع وزارة الدفاع الليبية ومجلة المسلح، والتي تُعبر عن آراء القيادة العسكرية وتبرز أهم الأخبار والأنشطة. تركز هذه الوسائل على توفير المعلومات الدقيقة للشعب، وتعزيز الروح المعنوية والتلاحم بين الجيش والمواطنين، مع التأكيد على الولاء والانتماء للوطن.
تواجَه الإعلام العسكري تحديات تتعلق بالاحترافية والتخطيط الاستراتيجي. وهو ما يستدعي التركيز على التكوين المنهجي والتعليم المستمر، مع أهمية الحوار والتنسيق بين مختلف الإعلاميين والمؤسسات، سواء كانت مدنية أو عسكرية. يجب أن يُعزز دور الإعلام العسكري كركيزة من ركائز الإعلام في العالم.





