
لطالما اتبعت مصر سياسة مُحكمة منذ سنوات طويلة تهدف إلى تنويع مصادر تسليح جيشها، مع تجنب الالتزام بتحالفات عسكرية مع قوى عظمى. وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تكوين ترسانة عسكرية تتسم بالتعددية، تشمل معدات متنوعة من مصادر مختلفة تتراوح بين المعدات الغربية والشرقية. فعلى سبيل المثال، تمتلك مصر طائرات مقاتلة من طراز F-16 الأمريكية، وميغ-29 الروسية، ورجال رافال الفرنسية. مؤخراً، قامت مصر بتعزيز قدراتها العسكرية بإadd أنظمة صينية متطورة، مما يعكس التحديات التي ستواجهها في مجالات التشغيل والصيانة والتدريب بسبب تباين الأنظمة العسكرية.
في إطار هذا التوجه الاستراتيجي، جاء الإعلان عن تنظيم أول مناورات جوية بين القوات الجوية المصرية والصينية، المعروفة باسم “نسور الحضارة 2025″، مما يعكس تطور العلاقات الدفاعية بين القاهرة وبكين. وقد أشركت الصين في هذه المناورات أحدث نُظُمها الجوية، بما في ذلك طائرات النقل الاستراتيجي Y-20، والمقاتلات الحديثة J-10C، وطائرات الإنذار المبكر والتحكم KJ-500، مما يدل على مستوى غير مسبوق من الثقة العسكرية بين الطرفين.
هذا التعاون ليس وليد الصدفة، بل يأتي نتاج سنوات من استحواذ مصر على أنظمة عسكرية صينية متقدمة. تشمل هذه الأنظمة مقاتلات J-10CE والطائرات المسيرة Wing Loong التي استخدمت بكفاءة في شمال سيناء، بالإضافة إلى نظم الدفاع الجوي بعيدة المدى HQ-9B وطائرات التدريب K-8E التي تُنتج محلياً بالاستفادة من تكنولوجيا صينية. ومع ذلك، فإن إدخال كل نظام جديد إلى الترسانة العسكرية يعقّد التحديات اللوجستية والعملياتية بسبب عدم التوافق الكافي مع الأنظمة الغربية أو الروسية المتواجدة بالفعل.
على الرغم من هذه التحديات، تؤكد مصر على التصميم القوي لتعزيز العلاقة الدفاعية مع China. يبدو أن الهدف الأساسي وراء هذا الاتجاه هو الحصول على تكنولوجيا عسكرية متطورة دون الارتباط التام أو الضغوط المتزايدة التي تفرضها القوى الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، فيما يخص صفقات الأسلحة. وقد شهدت مصر تراجعًا في الدعم العسكري الأميركي منذ عام 2015، وتعرضت لضغوط شديدة بشأن صفقات تسليح روسية مثل مقاتلات سو-35. ومع ذلك، تواصل القاهرة السير في مسار الشراكات الدفاعية البديلة.
يحمل التقارب العسكري المتزايد مع الصين مخاطر محتملة، منها فقدان جزء من المساعدات العسكرية السنوية الأميركية المقدرة بـ 1.3 مليار دولار. كما أن هذا التقارب يثير مخاوف عميقة في واشنطن وتل أبيب، خاصةً مع الأحداث الإقليمية السريعة والحرب المستمرة في غزة. تعتبر المناورات الجوية الأخيرة، “نسور الحضارة 2025″، رمزية واستراتيجية قوية تشير إلى تحول محتمل في مكانة مصر على الساحة الدولية. على الرغم من أن الصين عادة ما تتجنب التواجد في تحالفات صريحة، إلا أن زيادة وجودها العسكري في مصر تُعتبر دلالة على تحول في الاصطفافات الإقليمية.
ختامًا، تسعى مصر إلى محاكاة استراتيجية بعض دول الخليج من خلال تحقيق توازن دقيق بين القوى الكبرى. لكن هذه الاستراتيجية، في الحالة المصرية، تحمل مخاطرات جيوسياسية معقدة، وتوازنات مهمة، واحتمالات تصاعد التوتر الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، الشريك الأمني والعسكري التقليدي.





