راني زيادةمقالات رأي

“جيه-20: هل هي نتيجة تجسس صناعي أم إنجاز تكنولوجي صيني بحت؟”

راني زيادة

على مر السنين، أظهرت الصين قدرات بارزة في مجالات التكنولوجيا العسكرية من خلال دمج الابتكارات المحلية مع التقنيات المستوردة. تُعتبر مقاتلة “جيه-20” تجسيدًا مثاليًا لهذا التوجه، حيث تُمزج فيها تكنولوجيا عسكرية روسية وأمريكية، مما يجعلها واحدة من أولى الطائرات الشبحية غير الأمريكية التي تخدم في القوات المسلحة. مع ذلك، تثير أبعاد تصميمها وتسلسل تطويرها الكثير من التساؤلات حول تأثير التجسس الصناعي والهندسة العكسية في تعزيز البنية العسكرية للصين.

تاريخ طويل من استنساخ التكنولوجيا

لطالما اعتمدت الصين على تقنيات الهندسة العكسية كجزء أساسي من استراتيجيتها لتطوير صناعاتها الدفاعية. من الطائرات إلى الدبابات والسفن الحربية، استخدمت الصين بشكل متكرر المعدات العسكرية التي حصلت عليها من خلال صفقات شراء أو من الحطام الأجنبي.

تظهر طائرة “جيه-10” تأثيرًا بارزًا من طائرة “Lavi” الإسرائيلية، وهي مشروع لم يكتمل بسبب تحديات مالية وسياسية. كما تُعتبر “جيه-15” واحدة من النسخ المعدلة للطائرة الروسية “سو-33″، التي نالت الصين تصميمها من طائرة اختبار تخلت عنها أوكرانيا. وفي مجال الصواريخ الباليستية، اعتمدت الصين تقنيات من نظيراتها الروسية والأمريكية لتطوير ترسانتها العسكرية الخاصة.

“جيه-20” بين التقليد والابتكار

رغم أن طائرة “جيه-20” تعكس بعض الاستقلالية التقنية، تشير التحليلات إلى أنها ليست نتيجة تصميم أصلي بالكامل. إذ تحتوي على ميزات مستوحاة من مقاتلات أخرى، مثل “ميغ-1.44” الروسية التي تشترك معها في الشكل الأساسي للأجنحة. كما يظهر تصميم “جيه-20” تأثيرًا واضحًا من المقاتلة الأمريكية “إف-22 رابتور”، خصوصًا في تفاصيل المقدمة والتصميم العام، ما يعكس استفادة الصين من التقنيات الأمريكية في مجال التخفي وأنظمة الرادار.

فتحتي الهواء الجانبيتان ونظام التبريد في “جيه-20” تحملان تشابهات ملحوظة مع نظيراتها الأمريكية “إف-35 لايتنينغ II”، بالإضافة إلى تقارب في أنظمة التسليح. ومن ثم، يمكن القول إن “جيه-20” تجسد تنوعًا من التقنيات المبتكرة، مما يجعلها منتجًا هندسيًا معقدًا يعكس جهود الصين في تعزيز قدراتها الجوية.

التجسس السيبراني: الأساس لتطوير “جيه-20”

بجانب الهندسة العكسية، كان للتجسس السيبراني دور أساسي في تقليص الفجوة التكنولوجية بين الصين والدول الغربية. في عام 2014، تم اعتقال رجل الأعمال الصيني سو بين بتهمة التآمر مع قراصنة للوصول إلى معلومات حساسة تتعلق بشركات الدفاع الأمريكية مثل “لوكهيد مارتن” و”بوينغ”. أظهرت التحقيقات أن الصين تمكنت من الوصول إلى مئات الآلاف من الوثائق التي تحتوي على تفاصيل تقنية حول الطائرات الشبحية مثل “إف-22″ و”إف-35”.

تضمنت هذه الوثائق معلومات مهمة مثل:

  • التصميمات الهندسية للطائرات.
  • تقنيات التخفي ومواد الطلاء الشبحية.
  • أنظمة التبريد والدفع.
  • تفاصيل حول الإلكترونيات وأجهزة الاستشعار.

القدرات التشغيلية لمقاتلة “جيه-20”

بينما يُتهم البعض بمسألة الاعتماد على التكنولوجيا المستخرجة من مصادر خارجية، استطاعت “جيه-20” أن تبرز بشكل متميز ضمن صفوف القوات الجوية الصينية. تمتاز هذه الطائرة بمجموعة من الميزات المتطورة التي تجعلها تحظى بأهمية خاصة، بما في ذلك:

  • التخفي: تصميم “جيه-20” يُخفف من بصمتها الرادارية، مما يجعل اكتشافها أمرًا في غاية الصعوبة.
  • السرعة والمدى: بفضل محركاتها القوية، تستطيع الطائرة الوصول إلى سرعات تفوق سرعة الصوت دون الحاجة إلى استخدام الحارق.
  • التسليح: تضم “جيه-20” أسلحة متنوعة، تشمل صواريخ جو-جو بعيدة المدى وصواريخ موجهة بدقة.
  • أنظمة الاستشعار: تحتوي الطائرة على رادار AESA ونظام كشف بالأشعة تحت الحمراء، مما يعزز قدراتها في المعارك الجوية.

التحديات التقنية

رغم التقدم الملحوظ الذي حققته “جيه-20”، تواجه Challenges تقنية لا تزال تؤثر على كفاءتها في مهام القتال.

إحدى هذه التحديات تكمن في اعتمادها على المحركات الروسية من طراز AL-31، حيث لم تنجح الصين حتى الآن في تطوير محرك WS-15 المحلي لتحقيق الكفاءة المطلوبة.

علاوة على ذلك، تُعتبر أنظمة التخفي في الطائرة أقل تطوراً مقارنةً بنظيراتها الأمريكية، مما يزيد من احتمال اكتشافها بواسطة أنظمة الرادار الحديثة. وقد تحد هذه العوامل من قدرتها على المناورة والبقاء متخفية عن الدفاعات المعادية.

الأثر الاستراتيجي لـ “جيه-20”

بدءً من دخول “جيه-20” إلى الخدمة، ساهمت الصين بشكل كبير في تعزيز قوتها الجوية لمواجهة التحديات المحلية والدولية. تُعد هذه الطائرة أداة رئيسية لتحقيق التفوق الجوي في منطقة المحيط الهادئ، خاصةً مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها. كما تُثير “جيه-20” قلق الدول المجاورة مثل الهند واليابان، اللتين تجهزان نفسيهما لتعزيز قدراتهما الجوية لمواكبة هذا التهديد.

خلاصة

تُعتبر “جيه-20” رمزًا لاستراتيجية الصين التي تجمع بين الابتكار المحلي والاستفادة من التكنولوجيا العالمية. ورغم الانتقادات المرتبطة بالاعتماد على التكنولوجيا المستخرجة، تظل “جيه-20” إنجازًا تقنيًا يسهم في تعزيز مكانة الصين كقوة عسكرية على الساحة الدولية. ومع استمرار تطوير مشاريع جديدة مثل “جيه-31″، من المحتمل أن تواصل الصين هذا النهج لتعزيز قدراتها العسكرية المستقبلية.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع الصين إثبات قدرتها على الابتكار الحقيقي بعيدًا عن استنساخ التكنولوجيا الأجنبية؟ ستحدد إجابة هذا السؤال مسار التفوق العسكري الصيني في العقود القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى