مقالات رأي

أسس إستراتيجيات السياسة العامة في جمهورية كوريا الجنوبية

حسين موسى

أولاً – تعريف السياسة الخارجية:

تُعتبر السياسة الخارجية عملية تعتمد على تحويل الأهداف العامة للدولة إلى قرارات ملموسة، حيث تُصنَع هذه السياسات من قِبل أفراد وجماعات يمثلون الدولة ويُطلق عليهم صُناع القرار. ومن الجدير بالذكر أن دراسة صنع القرارات تُظهر التفاعل المعقد بين صناع القرار والبيئات الداخلية المحيطة بهم. تقدم العديد من الأكاديميين في هذا المجال تعريفات متنوعة، ولكن يُعرف الدكتور بلانودا ولتون السياسة الخارجية بأنها “استراتيجية عمل يُعتمد عليها صُناع القرار للتخطيط تجاه الدول والوحدات الدولية الأخرى بغاية تحقيق مصالح وطنية.” صحيح أن الوصول إلى أهداف السياسة الخارجية ليس سهلاً، حيث يُعزى ذلك إلى وجود أهداف متعددة ومتنوعة ترتبط بطبيعة الدولة والمنطقة التي تقع فيها وميزان قوتها.

تمتاز الأهداف السياسية بعدم التساوي في الأهمية، ومع ذلك يُمكن تصنيف أهداف كل دولة بالنقاط التالية:

1 – الحفاظ على استقلال وسيادة الدولة وأمنها القومي، ويتم ذلك من خلال:

  • تعزيز العلاقات الجيدة مع الدول المجاورة.
  • الحصول على دعم عسكري واقتصادي والدخول في معاهدات وتكتلات رسمية.

2 – تعزيز قوة الدولة، والذي يُعتبر أداة للحفاظ على سيادتها وأمنها، حيث إن قوة الدولة تتألف من مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والتكنولوجية والنفسية وغيرها. تُحدد قوة الدولة بشكل كبير السياسة الخارجية الخاصة بها، إذ ترتبط السياسة الخارجية بقوة الدولة.

3 – تحسين المستوى الاقتصادي للدولة، وهو هدف أساسي يُسهم في وجود الدولة، إذ يتطلب هذا وجود قاعدة اقتصادية قوية. بالإضافة إلى الأهداف السابقة، توجد أيضاً أهداف ثانوية نذكر منها:

  • نشر الإيديولوجية والثقافة الخاصة بالدولة خارج حدودها.
  • تعزيز أسس السلام الإقليمي والدولي.

ثانياً: ملاحظات حول السياسة الخارجية:

  • القول بأن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية ليس دقيقاً بشكل كامل، إذ تتحدد وفقاً لوضع الدولة الداخلي وميزان القوى الخارجي.
  • لا يوجد سياسة خارجية قائمة بمعزل عن السياسة الداخلية.
  • كل من السياسة الداخلية والخارجية تشكّلان جزءاً من السياسة العامة للدولة.

ثالثاً: السياسة العامة للدولة:

يُعتبر التواصل مع المحيط والتأثير عليه حاجة بشرية أساسية منذ فجر التاريخ. وقد ساهمت الرغبة في البقاء في دفع البشر إلى استغلال إمكاناتهم ومواردهم. لم تتوقف المجتمعات عند حدود البقاء، بل سعت إلى تحسين ظروف الحياة ورفاهية الأفراد. ومع تعقيد الحياة البشرية واختلاط المصالح بين الدول، أصبح من الضروري وضع استراتيجيات وخطط لتذليل الصعوبات. يتضح أن هذه التحولات بدأت قبل ظهور الدول القومية، لكن نشوء الدول أضاف بُعداً جديداً لأهمية السياسات العامة في حياة الأفراد والمجتمعات.

تسعى الدول إلى حماية مصالح أفراد ومجتمعاتها، حيث تُعَد السياسات العامة مؤشراً على نجاحها أو فشلها في تأمين تواجدها. إن الأسس التي قامت عليها هذه السياسات تعكس مجموعة من الأفكار والمعتقدات، مما يجعل الدولة الجذر الأساسية في دعم مواطنيها وتأمين احتياجاتهم الحيوية وسبل رفاهيتهم.

في زمن تاريخي معين، تم منح الدولة دوراً جوهرياً في رسم وتنفيذ السياسات العامة. وقد اختلفت شدة هذا الدور باختلاف الأنظمة السياسية، حيث تجلى ذلك في مستوى تدخل الدولة وفقًا لطبيعة النظام والقيم المعتمدة من قبله.

بنيان السياسة العامة للدولة

ترتكز السياسة العامة على هدف قومي موحد.وهذه السياسة تستند إلى عدة عوامل تساعد في تنفيذها.

العوامل وفق نظرية راكسل

1. العامل السكاني:

2. العامل التاريخي:

3. العامل الجغرافي (الشخصية القومية):

يتم دراسة العامل الجغرافي من خلال الموقع الذي يؤثر على الدولة من حيث المساحة والتضاريس. كما يُدرس تأثير السكان والقوة الصناعية والزراعية والعوامل المحيطة مثل البحار والمحيطات. يجسد هذا العامل كيفية تأثير الأبعاد الطبيعية على السياسة العامة. يرتبط النقل الكيفي بتلك الأبعاد الكمية، حيث يعدّ أكثر دقة من غيره.

أما بالنسبة للعامل التاريخي، ففهم الماضي ضروري، إذ يحدد تأثيره شكل السياسة العامة. يشمل ذلك الآثار التاريخية التي تعكس طبيعة الدولة وسكانها.

أما العامل السكاني فيعكس سمات وخصائص مميزة للسكان، وهو الأمر الذي يشكل سياق الشخصية القومية التي تؤثر في السياسة العامة بشكل مباشر.

المفاهيم القومية

تطرأ عدة نقاط على هذه المفاهيم، منها أنها تساهم بشكل مباشر في توجيه القرارات السياسية. يجب أن تكون هذه القرارات متعلقة بمصالح الوطن وأمنه القومي.

تعزيز الالتزام القومي يعكس ضرورة الحفاظ على الوطن، كما يتطلب توسيع مفهوم الأمن القومي أن يكون هذا الأمر واضحاً متفقاً عليه قومياً. في حالة الأحداث المؤسفة مثل اعتداءات 11 سبتمبر، يتوجب إدراك كل ما يتصل ببقاء الدولة ككيان حي.

قد تتعارض المصلحة القومية مع الأمن، كما في حالات خاصة، ولكن يمكن أن تتحد المفاهيم الثلاثة حين يتعلق الأمر بالاستراتيجيات تجاه دول معينة.

الأدوات المستخدمة

تتعدد الأدوات المستخدمة لتحقيق الأهداف الوطنية، من بينها العسكرية والاقتصادية والثقافية. تعتبر الأداة العسكرية ضرورية للبقاء، حيث تمثل الردع والدفاع، في حين الهدف الرئيسي هو تحقيق توازن القوى.

الأداة الاقتصادية تعكس مدى تأثير السياسات العامة، بينما تلعب الأداة الثقافية والإعلامية دوراً هاما في تنفيذ هذه السياسات. كما تُستخدم الدبلوماسية كوسيلة للتفاوض والاعتراف الدولي، حيث تؤكد على أهمية وجود تصرف سلوكي بين الأطراف لتحقيق نتائج إيجابية.

نموذج تطبيقي: كوريا الجنوبية

يمكن دراسة العوامل السياسية في كوريا الجنوبية، حيث يتم التركيز على الموقع الجغرافي ودوره الفعّال في اتخاذ القرارات السياسية وصياغة السياسات العامة.

تقع كوريا في موقع استراتيجي عند نقطة تلاقي في شمال شرق آسيا، حيث تحتل مكانًا متميزًا بين الكري الأقصى من روسيا والصين.

المساحة: تمتد مساحة شبه الجزيرة الكورية إلى 2230343 كم²، حيث تبلغ مساحة كوريا الجنوبية 100210 كم². ويعتبر جبل بايك دو سان في كوريا الشمالية هو الأعلى، حيث يتجاوز ارتفاعه 2074 مترًا.

أطول الأنهر: يُعتبر نهر كانج في كوريا الشمالية الأطول، حيث يصل طوله إلى 790 كيلومترًا.

أهم المدن: يأتي في مقدمة المدن، سيئول، التي تقدر سكانها بـ 10.4 مليون نسمة، تليها بوسان بـ 3.6 مليون نسمة.

عدد السكان: بلغ عدد سكان كوريا الجنوبية 48.87 مليون نسمة حسب إحصاء 2010. وتمتلك البلاد قوة صناعية هائلة متجسدة في قطاعات مثل أشباه الموصلات، السيارات، الصناعات البحرية، الأجهزة الإلكترونية، الهواتف المحمولة، معدات الاتصالات، الحديد والكيماويات.

الناتج المحلي الإجمالي: سجل الناتج المحلي الإجمالي تريليون و14 مليار دولار في عام 2010.

نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي: بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 20759 دولارًا سنويًا وفقًا لبيانات عام 2010، مع معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي قدره 6.2 % في نفس العام.

احتياطي النقد الأجنبي: خلال عام 2010، بلغ احتياطي النقد الأجنبي 291.5 مليار دولار.

العامل التاريخي

تأسيس جمهورية كوريا: شهد الشعب الكوري فرحة عارمة مع هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، لكن هذه الفرحة لم تستمر طويلًا. إذ أن التحرر من الاحتلال الياباني لم يحقق الاستقلال الذي كان يتمناه الشعب. بدلاً من ذلك، قاد التحرر إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين نتيجة للاختلافات الإيديولوجية الناتجة عن الحرب الباردة. ففشلت جهود الكوريين في إنشاء حكومة موحدة بعد أن احتلت القوات الأمريكية الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة، بينما سيطر الاتحاد السوفيتي على الشطر الشمالي.

في نوفمبر 1947، دعا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإجراء انتخابات في كوريا تحت رعاية الأمم المتحدة. لكن الاتحاد السوفيتي رفض هذا القرار، مما أدى إلى إجراء انتخابات في الجنوب في 10 مايو 1948، حيث تم تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى شمال وجنوب. تم تعيين سونغ مان كيم كأول رئيس لجمهورية كوريا في عام 1948، بينما تم تأسيس نظام حكم شيوعي في الشطر الشمالي بقيادة كيم إيل سونغ. في 25 يونيو 1950، شنت كوريا الشمالية هجومًا مفاجئًا على كوريا الجنوبية، مما أدى إلى نشوب حرب استمرت ثلاث سنوات وأحدثت دمارًا شاملًا في شبه الجزيرة الكورية. ووقعت الكوريتان الجنوبية والشمالية على اتفاقية هدنة في يوليو 1953.

العامل السكاني (الشخصية القومية)

تتميز الثقافة الكورية بتأثيرات دينية متعددة، حيث عايش الشعب الكوري العديد من الأديان مثل الشمانية، البوذية، الطاوية، والكونفوشيوسية. في العصر الحديث، تمكنت المسيحية من ترسيخ أقدامها في البلاد. وكان لفترة التصنيع السريعة التي شهدتها كوريا في العقود الأخيرة أثرها على الشعب، حيث ترافقت مشاعر القلق والعزلة مع الحاجة للسلام الداخلي، مما أعطى دفعة للأنشطة الدينية.

المفاهيم الأساسية للسياسة العامة

  • الأمن القومي: يشير إلى كل ما يتعلق باستمرارية الدولة، حيث تتولى الأجهزة الحكومية بما في ذلك رئيس الجمهورية ومجلس الدولة مسؤولية الحفاظ على الأمن القومي الكوري، وتقوم دائرة الاستخبارات الوطنية بجمع المعلومات الاستراتيجية عن الأنشطة الداخلية والجرائم الدولية.
  • المصلحة القومية: تسعى الدولة لتحقيق المصلحة القومية، ما لم تتعارض مع الأمن القومي. ويخول للرئيس الكوري، بصفته قائد السلطات التنفيذية ورئيس الدولة، مسؤولية الحفاظ على وحدة أراضي الدولة والعمل نحو إعادة توحيد كوريا بطرق سلمية، كما أنه يعتبر صانع السياسة الخارجية للدولة.

مسئولية وطنية متكاملة

  • تعتبر المسئولية الكاملة تجاه مصلحة كوريا القومية أمراً جوهرياً، سواء كان ذلك في حالات الحرب أو السلام.
  • الالتزام الوطني يشمل الحفاظ على الهوية الكورية ويعكس عزم الشعب الكوري في تعزيز تقدم الدولة في عدة مجالات.

أدوات تنفيذ السياسة العامة للدولة

  • الأداة العسكرية: تُعتبر الأداة العسكرية لكوريا الجنوبية أداة أقل تأثيراً بالمقارنة مع الدبلوماسية والاقتصاد. في المقابل، تستخدم كوريا الشمالية الأداة العسكرية بشكل مُفرط، مستفيدةً من السلاح النووي. كانت بداية أزمة نووية في عام 1993 عندما انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار النووي.
  • الأداة الاقتصادية: تتمتع كوريا الجنوبية باقتصاد قوي حيث تحتل المرتبة 15 بين أكبر اقتصادات العالم. بلغ حجم التجارة الكورية عام 1990 حوالي 892 مليار دولار، مما وضع البلاد على المرتبة السابعة عالمياً من حيث الصادرات. كما أنها في المرتبة السادسة من حيث احتياطي النقد الأجنبي وتعتبر من الدول الرائدة في التجارة.
  • الأداة الثقافية والإعلامية: تلعب هذه الأداة دوراً محورياً حيث يُعتبر الفكر والقيم الثقافية سلاحاً قوياً. تعمل كوريا على الاستثمار في النشر وتطوير وسائل الإعلام للنهوض بالبلاد في جميع المجالات.
  • الأداة الدبلوماسية:

التمثيل والتفاوض

كوريا الجنوبية تتمتع بتمثيل دبلوماسي رفيع المستوى وقد أُدرجت كدولة ذات سيادة في منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1991.

تسعى كوريا جاهدة لتنفيذ دبلوماسية تتماشى مع رؤية “كوريا العالمية”، حيث تساهم في تعزيز الصداقات بين الدول من خلال احترام القيم العالمية للديمقراطية واقتصاد السوق.

ختام

بناءً على ما تم تقديمه، فإن مكونات السياسة العامة لكوريا الجنوبية تشمل عوامل ومفاهيم وأدوات تفاعلت لرسم أهداف السياسة العامة. لقد نجحت هذه السياسة في تعزيز سيادة الدولة، حيث أصبحت كوريا السادسة على مستوى العالم في المجال الاقتصادي ووضعت أساساً متيناً للسلام وتعزيز العلاقات الخارجية.

المراجع

  • الهيئة الكورية للإعلام والثقافة، وزارة الثقافة والسياحة
  • وزارة الخارجية الكورية
  • الصحف والمجلات المحلية
  • بعض المواقع الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى