العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

كاليبر: الدهشة المذهلة للقوة الصاروخية الروسية

العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني

لقد شكل ظهور صواريخ كاليبر المجنحة نقلة نوعية في القوة الصاروخية الروسية، حيث أثبتت قدرتها الفائقة على إصابة أهداف على مسافات طويلة بدقة عالية. كان العرض الأول لصواريخ كاليبر في 7 أكتوبر 2015، خلال تنفيذ ضربة صاروخية ضد مواقع تنظيم الدولة الروسية. في ذلك الوقت، أطلقت 26 صاروخًا كاليبر من الفرقاطات الروسية “جيبارد داغستان” وثلاث فرقاطات من فئة “بويان” من حوض بحر قزوين، حيث قطعت الصواريخ مسافة 1500 كم، مستهدفة 11 هدفاً في سوريا دون أن تلحق ضرراً بالمنشآت المدنية.

في عام 2016، سجلت كاليبر دخولًا آخر في العمليات العسكرية من خلال إطلاق ثلاث ضربة صاروخية إضافية من الفرقاطات الروسية في البحر الأبيض المتوسط، مما أبرز القدرات الهائلة للصواريخ الروسية في تحقيق الأهداف البعيدة. واستهدفت هذه الضربات مواقع الإرهابيين في حلب وإدلب، موضحة الفعالية الكبيرة للأسلحة الروسية.

ومع تصاعد الصراع في أوكرانيا، عادت صواريخ كاليبر لتلعب دوراً محورياً في العمليات القتالية. فقد ساعدت القوات الروسية في توجيه ضربات دقيقة لمواقع القيادة والسيطرة التابعة للجيش الأوكراني، مما جعلها أحد العناصر الأساسية في استراتيجيات الهجوم.

هذا النوع من الأسلحة لم يكن مجهولاً على المستوى الدولي، حيث شاركت روسيا في معرض الأسلحة العالمي منذ عام 1993، لكن النسخ التي أُظهرت لم تتجاوز مداها الـ 300 كيلومتر. وكانت هذه النسخ مُنتجة لأغراض التصدير، في حين أن الأنواع الأكثر تطوراً والمعدة للقوات الروسية قد تم تطويرها بشكل خاص وخضعت لاختبارات ناجحة في سوريا عام 2012.

تعتبر صواريخ كاليبر جزءاً من الجيل الثاني من نظم الصواريخ الإستراتيجية الروسية المجنحة متعددة المهام، والتي صممت من قبل مكتب نوفاتور الروسي. تُعرف هذه الصواريخ باسم SS-N-27 Sizzle وفقاً للتصنيف الخاص بحلف شمال الأطلسي.

صاروخ “كاليبر” يطلق من غواصة روسية

صواريخ كاليبر: التكنولوجيا القتالية المتطورة

تعد صواريخ كاليبر من أبرز التطورات في مجال الأسلحة الحديثة، حيث يتميز صاروخ كاليبر بمدى إطلاقه الذي يصل إلى 1500 كم عند تزويده برأس عادي، بينما يتضاعف هذا المد إلى 2600 كم مع رأس نووي يزن بين 100 و200 كغم. الصاروخ يمتلك جناحين بطول 3.3 م وطول عام يبلغ 5.33 م ووزنه عند الإطلاق يصل إلى 1700 كغم، مما يجعله قادراً على التحليق على ارتفاع منخفض يصل إلى 30 متراً.

يتم تصنيف صواريخ كاليبر إلى فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى التي تطلق من السفن، وتعرف بالرمز “N”، والفئة الثانية التي تطلق من الغواصات، وترمز لها بالرمز “S”. ولأن هذه الصواريخ تعمل على مسار منخفض فوق سطح البحر، فهي تعد صعبة الاكتشاف بفضل تصميمها المبتكر وطلائها الذي يساعد على إخفائها عن أنظمة الرادار.

النسخ المختلفة لمنظومة كاليبر

تشمل منظومة صواريخ كاليبر عدة نسخ مُعدلة تتفاوت في نوعية إطلاقها والمهام المحددة لها، سواء كانت تقليدية أو نووية:

  1. النسخة المضادة للسفن 3M-54E: بطول 8.22 متراً، تحمل حمولة 200 كغم ومدى 220 كم. تبدأ بسرعة دون صوت ثم تصل إلى ماخ 2.9 على ارتفاع 5 أمتار.
  2. النسخة المضادة للسفن 3M-54E1: بطول 6.2 متراً، تحمل حمولة 400 كغم ومدى 300 كم، وهي أسرع من الصوت.
  3. نسخة الهجوم البري 3M-14K-T: بطول 6.2 متراً، تحمل وزن 400 كغم، ويمكنها اجتياز مسافة من 1500 إلى 2500 كم.
  4. الصواريخ المغيرة للبيئة: تطلق هذه الصواريخ من بيئة جافة إلى مائية، أو العكس، ومنها:
    • A. النسخة المضادة للغواصات 91RE1: تطلق من الغواصة بمدى 50 كم.
    • B. النسخة المضادة للغواصات 91RE1: تطلق من سطح السفن بمدى 40 كم.
  5. نظام إطلاق الحاويات: نظام مجمع كلوب K يُسلح بأربعة صواريخ مع قدرة مضادة للسفن.

أنظمة التوجيه المتطورة

تعتمد صواريخ كاليبر على أنظمة توجيه متقدمة تضمن دقة تصويب أهدافها، حيث تعمل بنظام القصور الذاتي وتوجيه الرادار والتوجيه عبر الأقمار الصناعية مثل Glonas. كما تتضمن نظام مطابقة الصور DSMAC للتوجيه الفعّال.

صممت هذه الصواريخ للقيام بمناورات مراوغة، حيث تتسارع نحو أهدافها مع اقترابها من الهدف، مما يجعلها تصعب إصابتها من قبل أنظمة الدفاع المضادة.

إطلاق صواريخ كاليبر وميزاتها التشغيلية

تُطلق صواريخ كاليبر من غواصات البحرية الروسية، بما في ذلك فئات “كيلو” و“أكولا” و“لادا” و“ياسن”، وتُطلق أيضاً من فرقاطات، مع توقع تركيبها على السفن الأكبر في المستقبل. وقد أشار تقرير أمريكي إلى النجاح الكبير لهذه الصواريخ في العمليات العسكرية منذ عام 2016، وأكدت أن سرعتها تصل إلى 885 كيلومتراً في الساعة، مما يمنحها القدرة على إصابة أهداف على بُعد 1600 كم.

هذه المواصفات الفريدة تجعل من صواريخ كاليبر سلاحاً ذا قيمة استراتيجية كبيرة، وقد أثبتت قدرات روسيا في تطوير تكنولوجيا عسكرية متقدمة تُنافس التكنولوجيا الغربية.

تبرز روسيا بقوة في ساحة الأسلحة الحديثة، حيث أثبتت قدرتها على استخدام عدد كبير من السفن الصغيرة المجهزة بالصواريخ المجنحة ذات المدى الطويل. يعكس هذا التطور العسكري تطور الفكر الروسي، الذي يسعى لتوزيع القوة النارية على منصات إطلاق متحركة، مما يقلل من الاعتماد على قواعد مكلفة وعرضة للإصابة. وبالمقارنة، فإن البرنامج الأمريكي لتوزيع المنظومات الصاروخية عبر السفن الساحلية يواجه تحديات كبيرة، حيث تتخلف السفن الأمريكية الكبيرة في الخصائص التسليحية عن نظيراتها الروسية الصغيرة، التي تتمتع بمرونة وفعالية عالية.

لقد سجل الروس تفوقًا نوعيًا في مجال الصواريخ المجنحة، والذي كسر احتكار الأمريكيين وحلفائهم لهذا النوع من الأسلحة ذات القدرات العالية. تبرز هذه الصواريخ كأداة حيوية في تنفيذ عمليات القصف الدقيق على أهداف بعيدة، مما أعاد تسليط الضوء على قوة الدب الروسي الذي يستعيد مكانته على الساحة الدولية.

يعتبر البعض أن صواريخ كاليبر ليست سوى خرافة أو أسطورة، لكن عندما انطلقت تلك الصواريخ لتضرب أهدافها بدقة عالية، أصبح واضحًا أن روسيا قد بنت قوتها الصاروخية بشكل سري، مما فاجأ العالم. لقد أثبتت روسيا أن أسلحة الردع التي تمتلكها تتنافس مع الأسلحة الغربية بل وتتفوق عليها. تكشف هذه التطورات عن قدرات تكنولوجية ومادية تستطيع تغيير معايير السياسة والقوة العالمية، مما يدعو للتفكير في أن العالم مستقبلاً لن يحكمه طرف واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى