العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

الاستراتيجية الروسية: تصاعد التوترات والغزو الأوكراني

العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني

في سياق التطورات العسكرية العالمية، برزت أبعاد سياسة القوة بشكل جلي خلال الغزو الروسي لأوكرانيا. حيث استخدمت روسيا هذه السياسة كذريعة لتفضيل مصالحها الوطنية على بقية الدول والمجتمع الدولي، مما أدى إلى تصعيد الصراع. بدأت العملية العسكرية مع إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبر خطاب تلفزيوني قبيل الفجر يطالب فيه الجيش الأوكراني بتسليم أسلحته، لتبدأ العمليات القتالية في الساعة 06:00 صباحاً. بعد ذلك، شنت وحدات القوات الروسية غارات جوية وصاروخية باستخدام أنظمة بالستية، إلى جانب هجمات إلكترونية واسعة النطاق تعطلت على إثرها مواقع البرلمان والحكومة الأوكرانية.

مهد هذا الهجوم الكبير لعمليات برية مكثفة حيث قامت القوات الروسية، بمساندة من الحلفاء، بالتحرك نحو مناطق استراتيجية عدة مثل لوهانسك، وسومي، وخاركيف. كما انطلقت من شبه جزيرة القرم لتستهدف مدينتي أوديسا وماريوبول عبر عمليات إنزال برمائية. من المثير للاهتمام أن القوات الروسية والبيلاروسية كانت قد انتهت من مناورات عسكرية مشتركة مسبقاً، مما يشير إلى توقيت هذا الهجوم المدروس.

نتيجة للهجمات الجوية والبرية، واجه الجيش الأوكراني صعوبات كبيرة، حيث تم تدمير 74 منشأة عسكرية، منها 11 مطارًا، مما أثر بشكل كبير على قدراته الدفاعية. البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية يؤكد على حجم التدمير الذي لحق بالجيش الأوكراني.

تعود العلاقات بين روسيا وأوكرانيا إلى زمن بعيد. فرغم استقلال أوكرانيا منذ عام 1991، إلا أن القيادة الروسية نظرت دائماً إليها كجزء من مجال نفوذها. لطالما انتقد بوتين انضمام أوكرانيا إلى الناتو، مشيراً إلى أن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا للسيادة الروسية. أدى هذا إلى سلسلة من الأعمال السياسية والعسكرية التي تضمنت ضم شبه جزيرة القرم، والتدخل في النزاعات المسلحة بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا، مما أسفر عن وقوع آلاف القتلى ونزوح الملايين.

من الواضح أن الهجوم الروسي لم يكن مفاجئاً للخبراء العسكريين، فالأزمات السياسية لم تُعالج بفعالية في الأسابيع السابقة. ومع أن الصراع لن يكون سهلاً للطرفين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن النتائج تميل لصالح الروس، الذين قاموا بتحضيرات مكثفة لتجهيز قواتهم. خططت روسيا لتعزيز جاهزية قواتها المسلحة بحلول عام 2020، من خلال عدة تدريبات ومناورات، مما يعكس استعدادها لهذا النزاع.

استغرق الأمر سنوات عديدة للوصول إلى مستوى عالٍ من الكفاءة والجاهزية القتالية، وقد حققت القوات الروسية الأهداف المرجوة. في عام 2017، أتمت هذه القوات أكثر من 8000 فعالية ومشروع تدريبي، حيث أكملت تدريباً متميزاً لأكثر من 77،500 خبير عسكري. أدى ذلك إلى تطوير قواتها المسلحة بشكل ملحوظ وبمهنية عالية من خلال مشاريع تدريب ومناورات بمستويات مختلفة.

اليوم، هناك أكثر من 261 تشكيلًا ووحدة عسكرية في الجيش الروسي تحمل اسم “الوحدة الضاربة”، وهذا يمثل إنجازًا في مجالات المستوى القتالي والتعبوي. جزء كبير من هذه الوحدات نشط حاليًا في مناطق التحشد، حيث تقوم بمهامها بدقة وسرعة تجاه أوكرانيا.

تعتبر روسيا ثاني أكبر قوة عسكرية عالمياً بعد الولايات المتحدة، وفقًا لتقييم “جلوبال فاير باور”، كما تحتل المركز الرابع من حيث الإنفاق العسكري. يأتي ذلك تماشيًا مع البرنامج الزمني المخصص لتكليف رؤساء هيئات الإدارة العسكرية بمهامهم.

تسعى برامج التحديث للجيش الروسي لعام 2018 إلى 2025 إلى تحسين أسلحة الدقة العالية والمركبات غير المأهولة لأغراض الاستطلاع والقتال. وتُعزز هذه البرامج تطوير أنظمة حديثة للطائرات بدون طيار، مما سيغير استراتيجيات الصراع المسلح بحلول عام 2025.

علاوة على ذلك، أظهرت القوات الروسية قدراتها العسكرية خلال عملياتها القتالية في سوريا، خاصةً من خلال الطائرات المقاتلة والأسلحة ذات الدقة العالية. ارتفعت معدلات تحسين أداء الأفراد في القوات المسلحة، مما زاد من شعورهم بالفخر وثقتهم بقواتهم.

أسهمت هذه التغيرات في تسليح القوات بنماذج حديثة ومعدات تصل إلى مستوى 70% بحلول عام 2020، مما أتاح تحقيق إنجازات مهمة لوزارة الدفاع الروسية في تحسين بنيتها التحتية العسكرية.

تساؤل هام يبقى مطروحًا: ماذا تخطط روسيا لقواتها المسلحة؟ يتزايد القلق بشأن إمكانية تفوق قدراتها العسكرية العملياتية على أكبر الجيوش، بما في ذلك دول الناتو. حيث يعتبر الخبراء العسكريون أن القدرات المتنامية تُعتبر تهديدًا لمستقبل الناتو وأمن أوروبا.

الإجابة تتضح اليوم، والعالم يتابع عن كثب الأحداث الجارية. هل ستواصل روسيا تنفيذ خططها وتضم أوكرانيا أم ستتوقف لتحديد قوتها قبل استئناف أهدافها السياسية في وقت لاحق؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى