داليا زيادةمقالات رأي

استكشاف تأثير القوة العسكرية التركية في قلب أفريقيا

أبعاد تنامي نفوذ تركيا العسكري في أفريقيا

داليا زيادة

تُعتبر الدبلوماسية العسكرية واحدة من الركائز الأساسية لعلاقات تركيا الإقليمية، حيث تطورت منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923. تعمل الحكومات المتعاقبة على تعزيز هذه الدبلوماسية لتحقيق تأثير أكبر على الدول والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية. كما أسهمت مهارات تركيا في توظيف الدبلوماسية العسكرية في تحقيق أهداف عملية حلف الناتو، الذي انضمت إليه في 1952، وخصوصاً في مناطق الصراع المعقدة في آسيا وأفريقيا.

تتبع تركيا نهجاً دبلوماسياً عسكرياً يتسم بالثبات، حيث تبني شراكات استراتيجية مع الدول المستهدفة عبر تصميم روابط اقتصادية وأمنية قوية ودائمة. تم تطبيق هذا النهج بنجاح على مدار العقود، لا سيما في علاقاتها طويلة الأمد مع دول مهمة في آسيا وآسيا الوسطى مثل باكستان وأذربيجان، التي بدأت في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين.

تحظى وزارة الدفاع التركية والرئاسة التركية للصناعات الدفاعية بحضور واضح في كافة الأنشطة الخارجية. منذ تولي وزير الدفاع خلوصي أكار منصبه في 2018، ساعدت خبراته العسكرية والدبلوماسية في ترسيخ مكانة تركيا كمنافس رئيسي للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين.

مع زيادة إنتاج الصناعات الدفاعية التركية، من المتوقع أن تصل تركيا إلى معدل اكتفاء ذاتي في التصنيع العسكري بنسبة 80% بحلول نهاية 2022. هذا التقدم يدفعها لتوسيع مبيعات الأسلحة والذخيرة إلى السوق الأفريقي المتنامي. اليوم، تُصدر تركيا أسلحة متطورة إلى دول مثل المغرب والجزائر وتونس والسودان وإثيوبيا، مع ارتفاع الطلب على الطائرات بدون طيار والمروحيات. تقدم تركيا هذه المعدات بجودة عالية وأسعار تنافسية مقارنة بشرائها من الدول الكبرى.

خلال زيارته الأخيرة لأفريقيا في أكتوبر 2021، ذكر الرئيس التركي أردوغان أن هناك اهتماماً كبيراً بالطائرات المسيرة التركية في جميع البلدان التي زارها. حيث إن برنامج الطائرات المسيرة في تركيا يُصنّف ضمن أكبر أربعة برامج على مستوى العالم، بجانب الولايات المتحدة وإسرائيل والصين.

السوق الإفريقي لا يقتصر على دول جنوب الصحراء فحسب، بل يمتد إلى شمال القارة أيضاً. في ديسمبر 2020، وقعت تركيا اتفاقيات تسليح مع تونس بقيمة 150 مليون دولار تضمنت بيع طائرات مسيرة. وفي يوليو 2021، أبرمت المغرب صفقة بقيمة 50 مليون دولار مع شركة أسيلسان التركية لشراء نظام متقدم للحرب الإلكترونية. الأهم من ذلك، أن تركيا رسخت وجوداً عسكرياً قوياً في البحر المتوسط وشمال أفريقيا، من خلال إرسال قوات وخبراء إلى ليبيا لدعم الحكومة الشرعية في طرابلس منذ ديسمبر 2019.

في منطقة القرن الأفريقي، تدير تركيا قاعدة عسكرية وكلية حربية في الصومال. وقد تناقلت الأخبار في عام 2017 حول خطط لبناء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر.

في إطار اتفاق التنمية الثقافية المبرم بين تركيا ونظام عمر البشير، الذي انهار لاحقاً بعد ثورة شعبية، تزدهر العلاقات بين الدولتين على صعيد التعاون العسكري.

جنوب الصحراء، قامت كينيا باستثمار ٧٣ مليون دولار في يناير ٢٠٢١ لاقتناء ١١٨ مركبة مصفحة من تركيا. في أكتوبر من نفس العام، عقد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، اجتماعات مع عدد من القادة الأفارقة لمناقشة شراكات محتملة في بيع الطائرات المسيرة. تشير التوقعات إلى أن أنجولا ونيجيريا قد تكونان أول الدول التي تحول هذه المفاوضات إلى صفقات فعلية هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت دول مثل توغو وبوركينا فاسو وليبيريا اتفاقيات مع تركيا لتعزيز التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب.

تسربت معلومات في بداية العام الماضي عن أن تركيا وقعت اتفاقات مع المغرب وإثيوبيا لتزويدهما بالطائرات المسيرة. رغم عدم الإعلان الرسمي عن هذه الصفقة، إلا أنه ثبت بشكل واضح دور الطائرات المسيرة التركية في النزاع الإثيوبي الطويل بين الحكومة ومقاطعة تيغراي. تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز ذكر أن الغموض يحيط بتزويد كل من الإمارات وتركيا وإيران رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، بأحدث الطائرات المسيرة المسلحة، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة ودول أفريقية تدعو إلى وقف النزاع. من الجدير بالذكر أن تلك الطائرات كان لها دور محوري في تمكين الحكومة من حسم النزاع لصالحها في نهاية المطاف.

في الوقت نفسه، تعتبر تركيا رابع أكبر مستثمر اقتصادي في إفريقيا، خلف كل من الصين والولايات المتحدة وفرنسا. وفقاً لتقرير “العلاقات التجارية السويسرية الأفريقية – الوضع الراهن ٢٠٢١”، الذي يتتبع الاستثمارات الأجنبية بين ٢٠١٠ و٢٠١٩، بلغ إجمالي التجارة بين تركيا وإفريقيا في عام ٢٠٢٠ نحو ٢٥,٣ مليار دولار، بينما وصل حجم التجارة بين إفريقيا وأوروبا إلى ٢٠ مليار دولار فقط.

في الختام، من الضروري متابعة التأثير المتزايد لتركيا على المسار السياسي والاقتصادي في إفريقيا، وعدم التقليل من قدرتها على استخدام الدبلوماسية العسكرية لتعزيز مصالحها الإقليمية والدولية.

داليا زيادة

داليا زيادة هي محللة سياسية مصرية وكاتبة حائزة على جوائز. كتبت عدة مؤلفات تتناول العلاقات المدنية العسكرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان من بينها كتاب “مصر: الجيش، الإسلاميين، والديمقراطية الليبرالية”. تدير داليا حالياً مركز دراسات الديمقراطية الحرة، ودرست العلاقات الدولية والأمن الدولي في كلية فليتشر للدبلوماسية والقانون بجامعة تافتس الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى