
حسين خلف موسى
المفهوم الأمني من المنظور الإسرائيلي:
يعكس الأمن القومي مجموعة من التدابير والاحتياطات اللازمة لحماية المجال الإقليمي لدولة معينة. بينما تشير نظرية الأمن القومي إلى الاحتياطات المطلوبة للحفاظ على السيادة الوطنية للدولة ومصالحها الداخلية والخارجية المتصلة بهويتها الوطنية والثقافية.
تعريف الأمن القومي الإسرائيلي:
يعتبر تسفي شور أن الوضع الدفاعي لإسرائيل يختلف بشكل جذري عن معظم الدول. التهديد العسكري المستمر من الدول العربية منذ قيام إسرائيل يشكل تحديًا أساسيًا لوجودها، ويتطلب إنشاء قوة عسكرية كافية لمواجهة هذا التهديد. الأمن القومي لإسرائيل ليس مجرد مسألة وجودي بل هو أمر سياسي وحياتي لمواطنيها، ويتطلب يقظة مستمرة لتحسين استراتيجيات الدفاع.
تنبثق النظرية الأمنية الإسرائيلية من تقديرات دقيقة لجوانب القوة والضعف في الدول العربية. حيث تعيش إسرائيل في حالة مواجهة دائمة مع خصومها، وتعتمد على مفهوم بسيط ومثير للجدل: أن فلسطين هي “أرض بلا شعب”. لذا، فإن إنكار الوجود العربي، خصوصًا الفلسطيني، هو جزء من سياستها الأمنية. يتمثل هدف الأمن القومي الإسرائيلي في تقليص قوة العرب وفرض الشروط الصهيونية، مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الغرب الذي يدعمها ماليًا ويضمن تفوقها العسكري.
لقد طرأ على مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي عدة تعديلات عبر السنوات، بفعل الحروب العربية–الإسرائيلية والتغيرات السياسية والجغرافية الناتجة عنها. تغيرت أدوات تحقيق هذا الأمن ولكن لم يتغير جوهر المفهوم. يمكن تلخيص مراحل تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي كما يلي:
1- انطلق مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في بدايته من نظرية “الضربة المضادة الاستباقية”. كان هذا المفهوم مستندًا إلى انعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل، ويشدد على أهمية نقل الحرب إلى أراضي العدو بدلاً من السماح بحدوثها داخل إسرائيل. فرضت هذه النظرية مبدأ الردع واستبدلته بمفهوم الحرب الاستباقية إذا حاول العدو التصرف بطريقة تمس مصالح إسرائيل.
2- تم تطوير مفهوم الأمن القومي ليظهر نظرية “الحدود الآمنة”. وضعت أُسس هذه النظرية قبل عام 1967، لكن تبلورت بشكل أكبر بعد حرب 1967 حيث أشار وزير الخارجية آنذاك (آبا إيبان) إلى أهميتها في تحديد الاستراتيجيات المعتمدة.
تسعى بعض النظريات إلى تحديد حدود يمكن الدفاع عنها بدون الحاجة إلى حرب استباقية. وفي هذا السياق، تبرز أهمية المكان على الزمان، حيث ينظر إلى الشعب العربي ككيان يجب القضاء عليه أو إهماله، مما يجعل مفهوم الحدود الآمنة اختزالًا لنهاية التاريخ العربي.
- حرب 1973 كشفت عن فشل العديد من نظريات الأمن المكاني الإسرائيلي، مما أدى إلى ضرورة وضع نظرية جديدة تُعرف بنظرية “ذريعة الحرب”. وتفيد هذه النظرية بأن إسرائيل لن تستطيع الامتناع عن اعتماد استراتيجية الحرب الوقائية، مستندةً إلى الهجمات الاستباقية عندما تشعر بتهديدات من العالم العربي، كما حدث مع المفاعل العراقي في الثمانينات ومصنع اليرموك في السودان حاليًا.
من هنا نستنتج أن الركائز الأساسية للأمن الإسرائيلي تشمل:
- نظرية الأمن الإسرائيلي والحدود الآمنة.
- استخدام القوة، التي تستند إلى مبدأ الاستعداد التام ونظرية “القوة الضاربة الكاملة”، مع التركيز على ضرورة امتلاك قوة كبيرة تقوم بدور الحماية لإسرائيل ومنع الدول العربية من أي عمل عسكري ضدها. تُعرف هذه الاستراتيجية بعقيدة الردع.
- تأمين كافة أشكال الدعم والمساندة، حيث تعد إسرائيل دائمًا بحاجة ماسة إلى دعم المجتمع الدولي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لضمان استمراريتها. ويرتبط هذا الدعم بشروط البيئة المحيطة وبطبيعة الكيان، الذي لا يمتلك مقومات الدولة، تمامًا كما إن جغرافيته التي تتسم بالصغر تُعتبر واحدة من العوامل السلبية في نظرية الأمن الإسرائيلي، حيث إنه محاط بالدول العربية من كل جانب.
- الأمن الإقليمي (التفوق والهيمنة) يتمثل في:
* التفوق على الدول العربية كافة.
* منع الأطراف الإقليمية والعربية من تحسين مواقفها في واشنطن.
* اتباع نهج أمن القاعدة، والذي يتضمن تهويد الأرض والسكان.
مفهوم الأمن القومي المصري:
عرف مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية الأمن القومي بأنه عملية معقدة تُحدد قدرة الدولة على تعزيز إمكاناتها وحماية قدراتها في جميع المجالات من المخاطر الداخلية والخارجية، وذلك باستخدام كل الوسائل المتاحة والسياسات الفعالة بهدف تطوير القوة وتقليل جوانب الضعف في الكيان السياسي والاجتماعي للدولة.
كما عرّف الدكتور حامد ربيع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الأمن القومي كونه مفهومًا عسكريًا يتشكل من خصائص الأوضاع الدفاعية للإقليم القومي، ليتحول لاحقًا إلى قواعد للسلوك الجماعي وإدارة القيادة.
أما الدكتور علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية، فقد عرّف الأمن القومي بأنه تأمين الدولة أو مجموعة من الدول ضد المخاطر الداخلية والخارجية، وضمان حماية المصالح الحيوية وتهيئة الأوضاع اللازمة لتحقيق الأهداف القومية.
محددات الأمن القومي المصري:
طرح اللواء الدكتور متقاعد عبد المنعم كاطو رؤية شاملة تُظهر أن الأمن القومي كان يركز لفترة طويلة على البُعد العسكري، الذي يرتبط باستخدام القوة العسكرية أو التهديد بها. لكن اتساع مفهوم الاستراتيجية الشاملة للدولة يتطلب إدماج الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مما يجعل الأمن القومي يشمل جميع المجالات. هذا الأمر يُظهر أهمية الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، وضمان تماسك المجتمع ككل.
بالتالي، يُعد الأمن القومي هدفًا استراتيجيًا يسعى لتحقيق المصالح والأهداف العليا للدولة، مع التركيز على دورها الإقليمي وتأثيرها في السياق العربي.
رغم أن الهدف الرئيسي للأمم المتحدة هو ضمان الأمن والسلام على المستوى الدولي، إلا أن الدول الكبرى مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا تسعى إلى تحقيق أمن قومي خاص بها. يُقاس نجاح هذه الدول بناءً على قدرتها على تطبيق أشكال ووسائل الأمن القومي لتحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.
في سياق تعدد المصالح القومية، قد تتعارض مفاهيم الأمن القومي، ولكن هناك معايير يجب أن يلتزم بها الأمن القومي لتحقيق الأهداف دون حدوث تضارب، مع الحرص على الاعتدال وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. من الضروري أيضاً استكشاف العوامل المؤثرة على الأمن القومي، سواء كانت في المستوى الإقليمي أو الدولي، مع مراعاة الإمكانيات والقدرات التي تتغير بتغير الظروف.
يظل التركيز الأساسي للأمن القومي المصري على الحدود الشرقية للبلاد مع إسرائيل، حيث أن كل التهديدات التاريخية لها جذور في الجانب الشرقي عبر سيناء. ووفقاً لما ذكره مصطفى الفقي، أحد أبرز المفكرين، فإن مفهوم الأمن القومي العربي تطور بشكل كبير خلال العقود الأخيرة بسبب التهديدات الناتجة عن وجود إسرائيل وما تمثله من عدوان تجاه المنطقة.
مهددات الأمن القومي المصري:
أشار اللواء جابر العربي، سكرتير عام محافظة شمال سيناء، إلى أن تهديدات الأمن القومي المصري تنقسم إلى نوعين: تهديدات داخلية وخارجية. تشمل التهديدات الداخلية الفتنة الطائفية، البطالة، والانقسامات الاجتماعية، بينما تركز التهديدات الخارجية على الضرورة الماسة للتعامل مع التهريب оружие من ليبيا والسياسات الإسرائيلية التي تقوض العمق الاستراتيجي لمصر.
أبعاد ثورة يناير في مصر وتأثيرها على الأمن في العلاقات المصرية الإسرائيلية:
مع بدء الثورة المصرية، تغيرت التعليقات الإسرائيلية تعبيراً عن القلق والأمل. حيث أكّد شيمون بيريز على أهمية الاستمرار في عملية السلام مع مصر، بينما كانت تصريحات بنيامين نتنياهو تتراوح بين الترحيب والتحذير من نتائج الثورة. وقد أشار إلى أن استمرار العلاقات بين البلدين هو هدف أساسي لضمان استقرار المنطقة.
ملخص هذه الأبعاد:
1- في نهاية ديسمبر 2011، شدّد نتنياهو على أن التغيرات السياسية في المنطقة تمثل تهديداً لإسرائيل، مما دفع حكومته إلى تخصيص ميزانيات أكبر للأمن والدفاع لمواجهة هذه التحديات. بحلول يناير 2012، أعلن نتنياهو زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة عدم الاستقرار المتزايد.
- في 21 فبراير 2011، قررت لجنة المال في الكنيست زيادة التمويل للأمن بسبب الحالة المتغيرة في المنطقة.
- في عام 2012، بلغ ميزانية الجيش 780 مليون شيكل، مما رفع الإجمالي إلى 60.7 مليار شيكل.
- شدد باراك على أن القوات الإسرائيلية ستبقى في حالة تأهب واستنفار على طول الحدود مع مصر، حتى تهدأ الأوضاع الأمنية هناك.
- شهدت الحدود مع مصر حالة من التوتر بعد مقتل ثمانية إسرائيليين في هجوم استهدف حافلتين وجيب عسكري بالقرب من مدينة إيلات، مما استدعى نشر قوات إسرائيلية لضمان الأمن على الحدود.
- تحدث الدكتور محمد مجاهد الزيات عن التحديات الأمنية التي تواجه مصر خلال مرحلتها الانتقالية، حيث قسمها إلى تحديات استراتيجية وداخلية وخارجية. وأشار إلى عدم اهتمام بعض القوى الثورية بتطوير بدائل لمؤسسات النظام المتهاوي، مما أدى إلى تباين وجهات النظر بينها، وعدم قدرة النخبة السياسية على الاتفاق على نظام الأمن القومي خلال هذه الفترة.
من المرجح أن تزداد الضغوط الأمريكية على مصر في أي خطوة نحو وقف التنسيق الأمني، والذي كان قائمًا منذ سنوات طويلة لمكافحة الإرهاب الدولي، مما يمثل عنصر ضغط على الأمن المصري.
- كما تم الإشارة إلى زيادة الاختراقات من أجهزة المخابرات الأجنبية في دول الثورات، بما في ذلك مصر، خاصة من إسرائيل والدول الكبرى، لأغراض مراقبة الأحداث. وقد زاد من هذه الاختراقات الانتقادات الموجهة لتلك الأجهزة بسبب عدم توقعها للثورة المصرية. كما اعتبر ما يحدث في بعض دول الجوار، مثل ليبيا، تهديدًا للأمن المصري.
- تمت الإشارة أيضًا إلى تصاعد التوتر مع إسرائيل نتيجة قلقها من التحول الديمقراطي في مصر، وازدياد رغبة المجتمع المصري في ضبط علاقاته مع إسرائيل في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، مضيفًا تحسن الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية.





