العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

استراتيجيات الهجمات الجوية المتقدمة: تكتيك تنظيم الدولة في ساحة المعركة المتطورة

العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني الأنصاري

أوكـــا OCA هو أسلوب قتالي متجدد يُعرف بالهجوم الجوي المضاد، وهو مصطلح عسكري يصف العمليات التي تُنفذ لاستهداف القواعد الجوية بهدف تقويض القوة الجوية في مواقعها. يتضمن هذا الهجوم تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة داخل أراضي العدو من خلال هجمات برية أو جوية مع التركيز على مبدأ السرعة والمباغتة.

تستهدف العمليات الأراضي العدائية، وتحديدًا القواعد الجوية المعادية، من أجل تدمير الطائرات وتعطيل المدارج، بالإضافة إلى تدمير المنشآت الحيوية مثل مراكز الوقود والحظائر ومرافق مراقبة الحركة الجوية.

هذا المصطلح يشمل أيضًا العمليات الجوية التي تقوم بها الطائرات المقاتلة لتطهير المجال الجوي من مقاتلي العدو، مما يضمن تقدم الطائرات نحو الأهداف البرية بأمان. تُعتبر دوريات الطيران القتالية بطبيعتها طريقة بطيئة لتحقيق الأهداف النهائية عند مقارنتها بالعمليات التي تميزت بالمفاجأة.

تعتبر الهجمات البرية أكثر فعالية وأقل تكلفة بالمقارنة مع الهجمات الجوية المتطورة. في الوقت الذي تهاجم فيه الطائرات المعادية، تظل التهديدات قائمة، ويمكن أن تعاود الهجوم. لذلك، فإن تدمير الطائرات وهي على الأرض يقلل من هذه المخاطر ويعزز نجاح العمليات.

الهجوم الجوي المضاد يُعتبر من الدروس الجوية الأساسية للطيارين المقاتلين، حيث يمنحهم القدرة على تنفيذ عملياتهم بدقة وفعالية ضد القوات المعادية. يشمل أيضًا عمليات القتال التي تنفذها القوات البرية لتحييد القوة الجوية عن العمل.

تُعتمد عمليات أوكا على مبدأ المفاجأة، والذي يُعتبر أساسياً في استراتيجيات الحرب ويشكل مفتاح النجاح للعمليات العسكرية. تظهر الدروس التاريخية أن الجانب الذي ينفذ هذا المبدأ يمتلك تفوقاً ملحوظاً في القتال، مما يساعد في تجاوز النقص في العدد والعتاد.

خلفية تاريخية:

تاريخيًا، تم استخدام أسلوب الهجمات الجوية المضادة خلال الحرب العالمية الأولى. نفذ الطياران “تيشين شودان” و”جيريتسو كوتيتاي” غارات أوكا ضد قواعد طائرات B29s في مسرح المحيط الهادئ. واحدة من أنجح العمليات هي “عملية فوكوس”، التي دمرت جزءًا كبيرًا من القوة الجوية لكل من مصر وسوريا والأردن خلال حرب الأيام الستة عام 1967.

كما شهدت عملية بارباروسا تدمير أعداد هائلة من الطائرات، حيث بلغ العدد حوالي 4000 طائرة روسية خلال أسبوعين. وتشمل الهجمات الناجحة الأخرى عمليات أوكا المختلفة، مثل الغارات الجوية الأمريكية في كوريا والهجمات الفرنسية والبريطانية خلال أزمة السويس.

خلال فترة الحرب في فيتنام، تمكن الفيتكونغ من تدمير عدد من الطائرات الأمريكية باستخدام قذائف الهاون، مما أسفر عن تأثيرات كبيرة على القوات الأمريكية. تجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية لم تخلُ من إخفاقات، مثل عملية جنكيز خان التي أقدمت عليها باكستان في عام 1971 خلال الحرب الهندية الباكستانية، فضلاً عن الهجمات العراقية على إيران.

رغم أن الهجمات المعروفة باسم “أوكا” تعتمد بشكل أساسي على الضربات الجوية، إلا أن التنفيذ لم يقتصر على هذا النمط بل شمل أيضاً وحدات القوات الخاصة. وفي هذا الإطار، يُذكر الغارات التي شنتها مجموعة الصحراء البريطانية الطويلة المدى على مطار إيطالي في مرزق، والتي انطلقت من قواعدها في القاهرة. أيضاً، في حرب فيتنام، استخدم الفيتناميون قذائف الهاون لتدمير طائرات أمريكية، كما تم الاعتماد على هذه العمليات خلال حرب تشاد، حيث استهدفت القواعد العسكرية في وادي الدوم والسارة في عام 1987، مما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف القوات الليبية. وفي أفغانستان، أسفرت غارة أوكا من طالبان عن تدمير ثمانية طائرات من طراز F-8B Harriers.

الأسلحة المستخدمة في عمليات أوكا:

في الخمسينيات، كانت استراتيجية الحرب الباردة تتطلب من حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو تنفيذ عمليات أوكا بأسلحة نووية تكتيكية. لكن بحلول منتصف الستينيات، أدت سياسات الاستجابة النسبية إلى العودة للاعتماد على الأساليب التقليدية. بعد حرب أكتوبر 1973، تم تطوير أسلحة متخصصة لتعطيل المدارج، مثل القنابل المضادة للطائرات من طراز BLU-107 وقنابل JP-233، التي استخدمتها طائرات التورنادو التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني خلال حرب الخليج في عام 1991، إضافة إلى العديد من القنابل الموجهة.

تعتبر الرشاشات الثقيلة بمختلف أعيرتها، والراجمات الصاروخية، والقواذف الكتفية والهاونات، من الأسلحة البرية الفعالة في عمليات الهجوم الجوي المضاد. تتمتع هذه الأسلحة بقدرة عالية على إحداث خسائر جسيمة أثناء الهجمات، ولاسيما عندما يتم التخطيط لها واستغلال عنصر المفاجأة.

تنظيم الدولة “داعش” وعمليات أوكا:

في الآونة الأخيرة، استخدم تنظيم الدولة وحلفاؤه أسلوب الهجوم الجوي المضاد “أوكا” بشكل مكثف ضد المطارات والقواعد العسكرية في سوريا والعراق، وكذلك في بعض الأحيان في ليبيا. كان الاستخدام المتكرر لهذا التكتيك يهدف لضرب القواعد العسكرية وتعطيل قدراتها القتالية، بالإضافة إلى محاولة السيطرة على الأسلحة والذخائر الموجودة بها. في هذا السياق، استهدف التنظيم مطار الطبقة في محافظة الرقة السورية عام 2014، حيث نجح في السيطرة عليه بعد حصار طويل.

في فبراير 2017، خاض تنظيم داعش معارك على عدة جبهات عسكرية في سوريا، استهدف خلالها أربعة مطارات عسكرية لقوات النظام السوري دفعة واحدة. حقق التنظيم تقدماً في هجومه على أحد هذه المطارات، بينما واجه مقاومة في اثنين آخرين. ويستمر التنظيم في قصف المطار الرابع من مواقع تمركزه، كواحد من أهدافه الرئيسية نظراً لأهميته الاستراتيجية للنظام.

يخطط تنظيم داعش دائماً لمهاجمة مطار التي فور في ريف حمص الشرقي، كونه مركزاً حيوياً للنظام ويحتوي على العديد من الأسلحة. إن استخدام هذا الأسلوب يعكس استراتيجية التنظيم في كسب أراض جديدة.

إن تحصينات القوات تزداد قوة مع السيطرة على المطارات العسكرية، مما يوفر لها الأسلحة والذخائر اللازمة لاستمرار القتال. في هذا السياق، تحظى المعنويات المرتفعة بتأييد كبير من المساندين، حيث يُظهر التنظيم قدرته على تحقيق انتصارات عسكرية، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها.

تنكشف الأساليب التكتيكية المستخدمة من قبل التنظيم من خلال العمليات الدقيقة التي ينفذها، مما يعطيه خبرة مذهلة في أساليب “أوكا”. تتضح هذه الأمور عندما يركز على هجماته ضد المطارات والقواعد العسكرية، مما يجعله قادراً على توجيه ضربات قوية ومؤثرة للخصوم.

يؤكد الخبراء السوريون أن التنظيم يعتمد على التخطيط المدروس لمهاجمة المناطق الاستراتيجية، مما يساعده في إحراز تقدم ملموس على حساب القوات المعادية.

غالباً ما تأتي استراتيجية الهجوم الجوي المضاد بطرق جديدة، مما يعكس خبرة المخططين في تقنيات القتال. يعد استخدام هذا النوع من الهجمات ذا دلالات معنوية ونفسية كبيرة على الخصوم، حيث يشعرون بالخوف من القصف المكثف للطائرات الحربية، ويصبح التنظيم مضطراً لاستخدام هذا الأسلوب القتالي الجريء الذي يضمن له الاستفادة القصوى من إمكانياته العسكرية.

مؤخراً، استخدم التنظيم الطائرات المسيرة بدون طيار في الهجوم على قاعدة حميميم السورية، حيث تتواجد القوات الروسية. كانت العملية ناجحة رغم صمت الإعلام الروسي، وتشير هذه العملية إلى توجه جديد في تنفيذ عمليات “أوكا”، مما يزيد من نطاق الهجمات باستخدام أساليب المفاجئة. هنا يجب التعرف على المخاطر المرتبطة بتلك الضربات، فالتنظيم يمتلك تقنيات متطورة تساعده على تنفيذ العمليات حتى في عمق أراضي الخصوم.

كان الهجوم الأخير الذي نفذه التنظيم على قاعدة براك الجوية في جنوب ليبيا في عام 2017 مثالاً صارخاً على هذه الاستراتيجية. إذ أسفر الهجوم عن خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بينما كانت العواقب الإنسانية كارثية، شملت عمليات قتل وتصفيات للأسرى من العسكريين والمدنيين، مما يشكل جريمة حرب تاريخية.

من المحتمل أن يتطور هذا الأسلوب القتالي في الأعوام القادمة ليشمل هجومات على أهداف حيوية أخرى مثل معسكرات القيادة أو منشآت الطاقة. لذلك، من الضروري اتخاذ تدابير وقائية للحد من خطر هذه الهجمات، خصوصاً أن التنظيم يسعى بجدية لتعزيز قدراته وأساليبه القتالية لتحقيق أكبر تأثير ممكن على الخصوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى