داليا زيادةمقالات رأي

دور روسيا العسكري في أزمات كازاخستان: استراتيجيات وتأثيرات جيوسياسية

داليا زيادة

تشهد كازاخستان اضطرابات سياسية تعيد تسليط الضوء على مسألة فعالية القوة العسكرية في مواجهة الحركات الشعبية المناهضة للأنظمة السياسية. هذه الحالة تعكس تعقيدًا إضافيًا حول المشروعية الأخلاقية والاستخدام السياسي للقوات الأجنبية لقمع الاحتجاجات المحلية.

في الأول من يناير، اندلعت مظاهرات ضخمة في كازاخستان احتجاجًا على زيادة أسعار الوقود. وبسرعة، لجأ الرئيس قاسم جومارت توكاييف إلى القوة الغاشمة، حيث أعطى أوامره للأمن بفتح النار على المتظاهرين مما قوبل بانتقادات شديدة في العالم الغربي. إلا أن تاريخ الربيع العربي أظهر أن هذه الأساليب غالبًا ما تكون عكسية، حيث أسفرت الأعمال الوحشية عن زيادة أعداد المحتجين وتجدد الاحتجاجات.

وبعد تزايد الاحتجاجات، دعا توكاييف الجيش الروسي للمساعدة، من خلال تفعيل معاهدة منظمة الأمن الجماعي، التي تعتبر بمثابة “ناتو” روسي في منطقة آسيا الوسطى. ادعى توكاييف أن المحتجين هم “إرهابيون تدربوا في الخارج” يهددون استقرار البلاد، مما جعله يطلب التدخل العسكري.

استجابت روسيا بسرعة، حيث أرسلت أكثر من 2000 جندي و250 قطعة من المعدات العسكرية تحت قيادة الجنرال الروسي المعروف بإدارته للعمليات في سوريا وأوكرانيا. وفي غضون أيام، تمكنت القوات الروسية من قمع الاحتجاجات واستعادة السيطرة لتوكاييف. وفقًا للتقارير الرسمية، أسفرت الأحداث عن مقتل 164 وإصابة أكثر من 8000 خلال أسبوع واحد.

لا تُعد هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها روسيا في كازاخستان. في ديسمبر 1986، أُخمدت احتجاجات الطلاب القوميين الكازاخ على تعيين زعيم موالٍ لروسيا بقوة عسكرية مشابهة، مما أدى إلى مقتل حوالي 200 مدني وإصابة أكثر من 1000 آخرين.

من اللافت أن روسيا لم تستثمر نفس القدر من الجهود لإنقاذ قادة آخرين في آسيا الوسطى، مثل الصراعات بين أرمينيا وأذربيجان في عام 2020 أو النزاع بين قيرغيزستان وطاجيكستان في عام 2021. يعد ذلك دليلاً على أهمية كازاخستان الاستراتيجية بالنسبة للأمن القومي الروسي.

تشهد كازاخستان في الآونة الأخيرة اضطرابات سياسية، مما يضع روسيا في موقف صعب بسبب قلقها المتزايد من فقدان نفوذها الجيوسياسي في منطقة آسيا الوسطى. تتنافس القوى الدولية والإقليمية الكبرى على تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في هذه البؤرة الغنية بالموارد مثل النفط والمعادن.

على مدار السنوات الماضية، ارتفعت الاستثمارات الصينية المباشرة في قطاع الطاقة بدول آسيا الوسطى, وخصوصاً في كازاخستان، التي تعد جارة الصين الغربية. في نفس الوقت، تعمل الولايات المتحدة، بعد انسحابها من أفغانستان، على مركزة جهود الناتو للدفاع عن أوكرانيا في مواجهة التهديدات الروسية. بالإضافة إلى ذلك، دعمت تركيا، التي تُعتبر رائدة “منظمة الدول التركية” التي تضم معظم دول آسيا الوسطى، أذربيجان في نزاعها التاريخي مع أرمينيا في عام 2020، متجاوزة رغبات روسيا. وكمساهمة في الناتو، تعبر تركيا حالياً عن دعمها لأوكرانيا ضد روسيا.

في ظل هذا السياق العسكري والسياسي المتقلب في آسيا الوسطى، فإن التدخل العسكري الروسي في كازاخستان قبل أيام يشير إلى أهمية أعمق مما يبدو. هذا التدخل لا يهدف فقط إلى حماية نظام توكاييف من الانهيار أمام ضغوط الاحتجاجات الشعبية، بل يعني أيضاً تعزيز موقفه أمام النفوذ العميق الذي يمتلكه الديكتاتور السابق نور سلطان نزارباييف. إن تعبئة منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحت قيادة الجيش الروسي، في هذه الفترة الحرجة، تعد تحذيراً واضحاً للمنافسين الجيوسياسيين لعدم اقتحام هذه المنطقة الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى