
داليا زيادة
الجدل الأخير حول نية الإمارات تعليق صفقة طائرات F-35 مع الولايات المتحدة يمثل أحدث خيبة أمل في العلاقات المتدنية بين الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط منذ بدء إدارة بايدن قبل أقل من عام. تتزايَد هذه الانتكاسات، حيث يواجه الأمريكيون صعوبات مع تركيا بشأن الطائرات نفسها، ويخططون لتقليص المساعدات العسكرية السنوية لمصر، فضلاً عن تجميد صفقات أسلحة ضخمة مع السعودية. في حين أن تركيا ومصر والسعودية لا تزال تتمسك بالصبر تجاه سياسات بايدن المتذبذبة، يبدو أن الإمارات قررت البحث عن موارد تسليح بديلة أكثر بساطة.
في الخامس من ديسمبر، وقعت الإمارات عقدًا مع فرنسا لشراء 80 طائرة من طراز رافال، بتكلفة تصل إلى 19 مليار دولار. هذه الصفقة تمثل المرة الأولى التي تستحوذ فيها الإمارات، وأي دولة خليجية أو عربية، على صفقة تسليح كبيرة مع دولة غير الولايات المتحدة. هذا التحول يجذب انتباه المراقبين، بما في ذلك كاتبة هذا التحليل، حيث يرتبط الأمر بالتفاوض المستمر بين الإمارات والولايات المتحدة بشأن صفقة F-35 والمعدات الأخرى، والتي تأكدت سريعًا.
في 14 ديسمبر، أكدت سفارة الإمارات في واشنطن التقارير التي تتحدث عن نية الإمارات تعليق المفاوضات مع إدارة بايدن بشأن عقد التسليح الغامض الذي تصل قيمته إلى 23 مليار دولار. هذا العقد، الذي سبق توقيعه مع إدارة ترامب في ديسمبر 2020، يتضمن شراء 50 طائرة F-35A و18 طائرة مسيرة MQ-9B Reaper. وقد قامت الإمارات بتفسير هذا التراجع بأنه جزء من مراجعة “المتطلبات الفنية، القيود السيادية، وتحليل التكلفة مقابل العائد.”
لطالما كانت طائرات F-35 هدفًا استراتيجيًا للإمارات. على مدار السنوات العشر الماضية، استثمرت القيادة الإماراتية بشكل كبير في تعزيز قدرات الجيش. بفضل هذه الجهود، تم تصنيف الجيش الإماراتي كواحد من أقوى ستة جيوش في الشرق الأوسط وفقًا لتصنيف جلوبال فايرباور لعام 2021، بجوار جيوش عريقة مثل الجيش المصري والتركي. لو تمكن الجيش الإماراتي من الحصول على طائرات F-35، لكان قد أصبح الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية بين الدول العربية.
حاليًا، تمتلك تسع دول حول العالم طائرات F-35، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تقوم بتشغيلها. دول مثل تركيا، التي كانت شريكًا في برنامج F-35 منذ بدايته، لم تتمكن من الحصول عليها بسبب طردها من البرنامج في عام 2019 نتيجة شراء نظام الدفاع الروسي S-400. المفارقة تكمن في أن تركيا أيضًا علقت مفاوضاتها مع أمريكا حول رفع الحظر عن شراء طائرات F-35، بعد عامين من المفاوضات مع إدارات ترامب وبايدن. في أكتوبر، اقترح الرئيس التركي، أردوغان، تحويل مبلغ استثماري قدره 1.4 مليار دولار أمريكي، والذي دفعته تركيا بالفعل في برنامج F-35، لشراء…
تسعى تركيا حاليًا لتحديث أسطولها من المقاتلات والمروحيات، بما في ذلك الحصول على طائرات F-16 جديدة. ومع ذلك، لم يقدم بايدن بعد أي رد رسمي بشأن طلب رئيس تركيا، أردوغان.
من النظرة الأولى، يبدو أن قرار الإمارات بتجميد المفاوضات حول صفقة F-35 قد جاء في إطار تحسين موقفها في المفاوضات المستمرة مع إدارة بايدن، التي تعود لعام تقريبًا. تجدر الإشارة إلى أن الإمارات اتخذت هذا القرار قبل يوم واحد فقط من الاجتماع المرتقب بين مسؤولي الدفاع الإماراتيين والأمريكيين في واشنطن. يبدو من ردود فعل المسؤولين الأمريكيين أن أمريكا تشعر بعدم الارتياح وتقوم بمراجعة موقفها.
في إعلان فوري، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، في 15 ديسمبر أثناء زيارته إلى ماليزيا، إن وزارة الخارجية ستظل “مستعدة للمضي قدمًا في الصفقة إذا كان ذلك ما يريده الإماراتيون”. وعند سؤاله عن أسباب التأخير في إتمام الصفقة، أكد بلينكين مجددًا رغبة إدارة بايدن في ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، مما يجعل من الضروري إجراء مراجعة شاملة لأي تكنولوجيا تسليح يتم بيعها أو نقلها إلى شركاء آخرين في المنطقة، بما في ذلك الإمارات.
ليس هناك جديد فيما ذكره بلينكين، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في أبريل 2021 استعدادها للبدء في بيع مقاتلات F-35 وغيرها من المعدات إلى الإمارات بعد مراجعة إدارة بايدن للصفقة التي أبرمت في عهد إدارة ترامب. حتى أن وسائل إعلام إسرائيلية أكدت في ذلك الوقت أن إسرائيل لا تعتبر الإمارات عدوًا إقليميًا، مما يعني أن الحفاظ على التفوق العسكري ضدها ليس مصدر قلق. ومع ذلك، لم تتم عملية البيع لأي سبب من الأسباب.
تتمثل إحدى الأسباب في تصريحات السكرتير الصحفي للبنتاغون، جون كيربي، الذي أكد في 14 ديسمبر أن “شراكة الولايات المتحدة مع الإمارات أكثر استراتيجية وتعقيدًا من مجرد عملية بيع أسلحة”. وأشار كيربي إلى أن جميع مبيعات الأسلحة الخارجية تشتمل على مجموعة من شروط الاستخدام على المستخدم النهائي، وهي شروط “عالمية وغير قابلة للتفاوض”. هذه النقطة تتطابق مع البيان الإماراتي الذي أفاد بأنه بعد مراجعة المتطلبات الفنية والقيود السيادية على التشغيل، قررت تأجيل صفقة F-35.
تحتاج إدارة بايدن إلى إعادة تقييم جوهري لسياساتها الخارجية في الشرق الأوسط. فإلى جانب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ووجود إيران والميليشيات المدعومة من قبلها، فإن تردد إدارة بايدن بين الصداقة واللامبالاة تجاه حلفائها بمثابة مصدر قلق أكبر في الوقت الحالي. تؤدي هذه السياسة المعيبة إلى إزعاج حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وتضر بمصالحها الاقتصادية والعسكرية. والأسوأ من ذلك، أنها تمنح الفرصة للاعبين دوليين آخرين، مثل روسيا والصين، لتوسيع تأثيرهم في المنطقة عبر استغلال الفرص التي تفرط فيها إدارة بايدن.





