العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري

“رياح الشرق: صواريخ العاصفة الحمراء وتأثيرها العالمي”

العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني الأنصاري

“العاصفة الحمراء” هي رواية حربية معقدة من تأليف الكاتب الأمريكي “طوم كلانسي”، التي حققت شهرة واسعة في القرن الماضي، حيث تصور أحداث حرب عالمية ثالثة افترض الكاتب وقوعها بين حلف الناتو والإتحاد السوفيتي خلال منتصف الثمانينات.

تستند فرضية الحرب إلى العديد من السيناريوهات، ومن أبرزها إمكانية إغراق حاملات الطائرات، تلك السفن العملاقة التي تجوب البحار، مما يعكس قوة مالكيها وقدرتها على تحويل أي منطقة إلى ساحة عمليات حربية.

في أحد فصول الرواية، يتناول كلانسي كيفية اكتشاف الاستخبارات الروسية لموقع قريب لأسطول غربي يتجه نحو أوروبا، ويشمل حاملة طائرات من طراز “نيميتز” ويضم عدة قطع بحرية أمريكية وحليفة. تتدخل روسيا حينها لتبدأ تنفيذ خطة دقيقة تتطلب قدرات هائلة، حيث تبدأ مجموعة من الطائرات القاذفة مثل التوبوليف-16 و التوبوليف-22 و التوبوليف-95 في تنفيذ الهجوم.

هذه المجموعة تطلق مئتي صاروخ من طراز “كيلت”، وتقوم بإنشاء جدار تشويش إلكتروني بعمق 800 كيلومتر، مما يجعل السفن الحربية التابعة للأسطول الأمريكي في وضع حرج.

رغم أن صواريخ كيلت ليست مصممة لمواجهة السفن، إلا أنها تخطط للطيران على ارتفاع عالٍ بطريقة تسمح لها بالتمويه كأسراب قاذفات. وعندما تستقبل القيادة الأمريكية ما يبدو أنه قاذفات روسية، تستعد لإعادة توجيه طائراتها للاعتراض.

لكن ما إن تتلاشى موجة صواريخ “كيلت” عن شاشات الرادار، حتى يفاجئها هجوم آخر من القاذفات الروسية التي كانت قد انسحبت سابقًا، حيث تُطلق مئة وخمسين صاروخًا مضاداً للسفن.

تسير الصواريخ باتجاه الأسطول غير المحمي إلى حد كبير، وبعد لحظات، تعم الفوضى في المحيط. تختفي الحاملة الفرنسية “فوش” مع العديد من المدمّرات، بينما تُصاب الحاملة الأميركية بصاروخ، لكنها تتمكن من السيطرة وعدم الغرق.

تظل الرواية تتطرق إلى قدرات الدفاع الصاروخي التي لم تُختبر فعليًا في ساحات الحرب، مما يجعل سيناريو كلانسي خيالياً أكثر مما هو واقعي.

يفترض الكاتب أن الهجوم سيكون بواسطة صواريخ تقليدية، في سياق متميّز اليوم بتكنولوجيا جديدة، حيث تتوقع الأجيال اللاحقة منها حدوث تغييرات جذرية في معايير الحرب الحديثة.

شهدنا تغيرات جذرية في المشهد الجيوسياسي منذ زمن طوم كلانسي، حيث نشهد اليوم في عشرينات القرن الحالي رؤيةً قد تخطت خيال الكاتب في روايته “العاصفة الحمراء”. إذ حلت الصين محل الاتحاد السوفيتي السابق لتصبح التهديد الرئيسي للقوة البحرية الأمريكية، وسط تطور في استراتيجيات جيش التحرير الشعبي الصيني لرفع كفاءته في مواجهة الخصوم الرئيسيين.

تداخلت أحداث رواية كلانسي مع الواقع بشكل لافت، حيث تداولت وسائل الإعلام أخباراً مفادها بأن الصين تعمل على تصنيع نماذج حقيقية لحاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” ومدمرة الصواريخ “آرلي بيرك” الأمريكية، لتنفيذ تدريبات مستهدفة. وقد رصدت الأقمار الصناعية نماذج هذه السفن في صحراء تكلامكان بإقليم شينغيانغ، بالقرب من موقع تدريبي لصواريخ “دي إف 21 دي” المضادة للسفن.

وفقًا لمصادر من المعهد البحري الأمريكي، فإن مجمع التدريب في تكلامكان يُستخدم لاختبار الصواريخ الباليستية، مما يعكس توجهات الصين الفعلية نحو تطوير قدراتها العسكرية.

مع ازدياد التقارير حول أنشطة الصين، بدأ المحللون العسكريون يدركون أن حاملات الطائرات قد تكون عرضة للخطر، وأن ما توقعه كلانسي في السبعينيات أصبح قابلاً للتطبيق. خصوصًا أن التقارير العسكرية الأمريكية تشير إلى عدم وجود حلول فعالة للتصدي للصواريخ البعيدة المدى إن تم استهدافها.

عملياً، يعتبر إغراق حاملة طائرات أو حتى فرقاطة عملية صعبة، وهزيمة أي عدو باستخدام التكتيكات والأساليب التقليدية لا تتجاوز النظريات المتداولة. التجارب التاريخية أوضحت أن من يمتك سلاحًا بلا التقنيات اللازمة سيجد صعوبة كبيرة في مواجهة مطوري هذا السلاح، بينما الدول الكبرى تكون مجهزة للإقتتال كإمبراطورية تمتلك القدرات العسكرية اللازمة للنجاح. فما يواجهه مهاجم صغير هو احتمال ضئيل جدًا للنجاح.

أحداث تاريخية مشابهة:

لم تكن الصين هي أول دولة تفكر في هذا النوع من العمليات، ففي الثمانينات، خططت القيادة الليبية لمواجهة القطع البحرية الأمريكية، حيث سعت لتعزيز قدراتها الهجومية بمهاجمة الأسطول السادس باستخدام صواريخ سكود من مواقع متعددة. على الرغم من التعقيدات، كان الهدف هو الإرباك وإحداث تأثير عليه.

كما قامت إيران بتجارب مشابهة عندما صنعت نموذجًا لحاملة طائرات أمريكية من نوع نيميتز بين عامي 2013 و2014، واستخدمته لأغراض التدريب، مما يظهر الاستراتيجية المتزايدة التي تسعى إليها الدول لتعزيز قدراتها العسكرية البحرية.

تمثل التدريبات العسكرية التي تُجرى حالياً في المنطقة أكثر من مجرد تمارين عسكرية، إذ تتجه نحو توفير رسائل دعائية قوية. تعتبر الأنظمة الصاروخية التي تختبرها الصين عالية التطور، ولديها القدرة الفعلية على التعامل مع أخطر الصواريخ المضادة للسفن في العالم، مما يجعلها تهديداً حقيقياً لحاملات الطائرات في البحار. ومنذ الكشف عن هذه الأنظمة في عام 2009، أصبحت محور قلق كبير للسفن الأمريكية.

كما أشرنا سابقاً، يقوم الصينيون بتجربة صواريخهم البالستية ضد نماذج حقيقية للسفن الضخمة. تعود هذه القدرة إلى التطورات التكنولوجية الحديثة، التي دمجت مزايا المدى للصواريخ البالستية مع دقة إصابة الأهداف، من خلال تحسين أنظمة التوجيه والرؤوس الحربية. من المتوقع أن تكون صواريخ DF-21D هي الأداة المستخدمة لضرب هذه الأهداف التدريبية.

خصائص صواريخ رياح الشرق الصينية المضادة للسفن:

تُعتبر صواريخ Dongfeng DF-21D الأولى من نوعها في العالم كمنظومة صواريخ باليستية مضادة للسفن، حيث تتوجه لتدمير السفن الكبيرة مثل حاملات الطائرات الأمريكية ومجموعاتها القتالية. وهنا يجدر بالذكر أن الاسم “قاتلة حاملات الطائرات” أصبح مرتبطاً بهذه الصواريخ.

يتميز صاروخ DF-21D بقدرته على الارتفاع إلى ارتفاعات ضخمة قبل الانقضاض بسرعة تصل إلى 10 ماخ، مما يجعل من الصعب جداً اعتراضه. كما أن منصات إطلاق هذا الصاروخ متحركة، ما يُخفف من خطر توجيه ضربات استباقية لها.

يمتد مدى صاروخ رياح الشرق DF-21D بين 1500 إلى 2000 كم، مما يجعل منصات الإطلاق في مأمن من الصواريخ المضادة، وبالتالي يقلل من فرص استهدافها. تسمح هذه الخصائص للصواريخ بمواجهة مجموعات بحرية معادية في مناطق شاسعة دون الحاجة للتقارب.

تم تزويد DF-21D برؤوس حربية متطورة من نوع MaRV، التي تتحلى بقدرة عالية على المناورة والانعطاف، الأمر الذي يساعدها على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي للفرقاطات المحمية لمجموعات حاملات الطائرات.

يدعم دقة الصاروخ نظام الملاحة بالقصور الذاتي، ويعتمد على تقنية توجيه الأقمار الصناعية BeiDou، بالإضافة إلى نظام التوجيه الراداري النشط في المرحلة النهائية من مساره. ومن المُحتمل أن تكون نسبة الخطأ أقل من 30 متراً.

يتم إطلاق الصاروخ من هيكل عربة Wanshan-WS2600، التي تتميز بقدرتها على التنقل على تضاريس متنوعة، رغم أنها تُستخدم عادةً على الطرق الصلبة.

تخشى الولايات المتحدة بشدة من النسخة المطورة للصاروخ، المعروفة باسم “DF-26″، والتي تمتلك مدى يصل إلى 4000 كم، وفيما تم الإعلان عنها لأول مرة في عام 2015، كانت قيد التشغيل منذ عام 2013، مما يضمن قدرة الصين على استهداف السفن الأمريكية حتى أثناء رصيفها في قواعدها البحرية البعيدة.

لماذا تختبر الصين صواريخها في الصحراء؟

توجد أسباب خلف قرار الجيش الصيني بإنشاء نماذج تشبه حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية في الصحراء لاستخدامها أهدافًا في تدريباته. وفقًا لمجلة “ناشيونال إنترست”، كانت الصين قد أجرت اختبارات سابقة ضد أهداف بحرية، ولكنها تريد هذه المرة عدم منح الولايات المتحدة الفرصة لجمع معلومات حول تجاربها الصاروخية.

إن مستقبل التطورات العسكرية الصينية يبدو واعدًا، حيث تؤكد هذه الاختبارات على التقدم التكنولوجي الذي تحققه البلاد في مجالات الدفاع والهجوم البحري.

عندما تُنَفّذ الاختبارات الصاروخية داخل الأراضي الصينية، تقل قدرة الجيش الأمريكي على جمع المعلومات حول هذه الاختبارات بشكل ملحوظ.

تُعتبر الكلفة المالية أحد العوامل الرئيسية أيضاً، حيث تنخفض التكاليف بشكل كبير عند إجراء التجارب على اليابسة بدلاً من الأهداف المائية.

أثبتت الصين قدرتها على تطوير نظام حركة يشبه السكك الحديدية، مما يمنحها المرونة في تحريك نماذج من السفن الحربية خلال الاختبارات الصاروخية بسرعات متفاوتة. هذا يساعد في حساب زمن حركة القطع البحرية ويختبر قدرة الصاروخ على تتبع الأهداف والتعامل معها بكفاءة حتي أثناء الحركة.

رواية “العاصفة الحمراء تهب” للكاتب طوم كلانسي تُعتبر من الأدب العسكري القيم، حيث تمتزج الأدبية بالمعلومات العسكرية. على الرغم من أن أحداث الرواية تبدو خيالية في القرن الماضي، إلا أن الجيش الصيني اليوم يتدرب على سيناريو مشابه لضرب القواعد الجوية العائمة، مستخدماً وسائل قتالية تقنيات متطورة. من المؤسف أن كلانسي لم يكن يتخيل أن هذا التقدم العلمي سيكون واقعياً بهذا الشكل.

يتداخل الخيال مع الواقع في الكثير من الأحيان، وكثيراً ما نتساءل إن كان الأمر مجرد صدفة أم تنبؤات تدل على قراءة معمقة للتاريخ وأحداثه. تلاقت أحداث الرواية مع ما رصدته الأقمار الصناعية الأمريكية من نماذج تعتبر أهدافاً تدريبية في الصحراء الصينية. هل أدرك الأمريكيون ما يعني ذلك؟ وهل نحن فعلاً نقترب من حرب جديدة وسريعة لم يكن كلانسي يتوقعها؟

المرحلة القادمة قد تكون أكثر تعقيدًا، إذ تُظهر التدريبات الصينية الصراع العلني والخفي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. يعرف الصينيون أن حجم الأساطيل الأمريكية كبير جداً، وأنه لا سبيل لوقف قوتها إلا من خلال الاستهداف المباشر. هنا يأتي التحدي: من سيفوز في حال نشوب حرب بين القوتين؟ تمتلك الصين الآن منظومات صواريخ قادرة على استهداف المطارات العائمة الأمريكية في أي مكان، وقد تجاوزت مرحلة الشك ومنحت الشكوك أملاً بالنجاح في التدريبات السرية المتقدمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى