أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

البحث في جذور التكنولوجيا: كيف قدمت أنظمة الدفاع الأمريكية عالم الميتافيرس

ا.د. غادة محمد عامر

عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

لماذا خلقت أنظمة الدفاع الأمريكية تقنية الميتافيرس

في 6 يونيو عام 2008م، كتب شخص يُدعى “نوح شيفمان” مقالًا في موقع “نتورك وورد” بعنوان “داربا ومحاولة المستحيل: المحاكاة الذاتية للتدريب الدفاعي”. في هذا المقال، تم توضيح كيف قامت وحدة “داربا” بتخصيص ميزانية ابتدائية بقيمة 30 مليار دولار لمشروع يُعرف بـ National Cyber Range (NCR). يهدف هذا المشروع إلى خلق بيئة افتراضية تسمح لوزارة الدفاع بالاستعداد للحرب وتنفيذ الهجمات الإلكترونية. المفاجأة هنا أن تقنية “الميتافيرس” التي أعلن عنها مارك زوكربيرج ليست جديدة، بل هي تطبيقات لمشاريع عملت عليها وحدة “داربا” منذ فترة.

ظهر الإنترنت كشبكة لربط أجهزة الحاسوب في عام 1969م، تحت اسم “أبرانت” “Arpanet”. كانت هذه الشبكة تربط بين نقاط عدة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة ستانفورد، وغيرها. في عام 1975م، استحوذت وزارة الدفاع الأمريكية على هذه الشبكة وأعادت تسميتها إلى “داربانيت” وذلك لأن مشروع “درابا” كان أحد اسهامات الجامعات المدعومة. منذ ذلك الحين، تواصل “داربا” تطوير بيئة الإنترنت لدعم القطاع الدفاعي من خلال بحوث رائدة.

لقد كان الهدف من تقنيات “الميتافيرس” هو إنشاء بيئات تدريبية تحاكي الحرب السيبرانية بشكل دقيق. وتشمل هذه التقنية استنساخ الأنظمة والبيئات الحقيقية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة. أثبت التدريب بواسطة المحاكاة الإلكترونية نجاحًا كبيرًا؛ حيث يتيح دمج التفاعل البشري مع المهام البدنية، مما يساعد على تحسين المهارات النفسية ومستوى الأداء. على سبيل المثال، تؤدي التفاعلات إلى ردود فعل جسدية مما يمكن من تحسين الأداء في الواقع الحقيقي.

تسهم تقنيات المحاكاة مثل “الميتافيرس” في الدراسات الاستراتيجية. في دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين، يتم استخدامها لإعادة إنشاء الأحداث التاريخية ودراسة السيناريوهات المستقبلية المحتملة، وحتى التنبؤ بالكوارث. الهدف هو استخدام تكنولوجيا الألعاب لخلق بيئات قادرة على نمذجة الظواهر الجيولوجية والسلوك البشري، مما يعزز في النهاية التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرار.

إن تقنية “الميتافيرس” هي عبارة عن…

اكتشاف عالم الميتافيرس: التقنية التي تُعيد تشكيل الواقع

تُعد تقنية الميتافيرس مساحة افتراضية مشتركة تتمثل فيها الأفراد من خلال شخصيات رقمية، حيث يتطور هذا العالم باستمرار بناءً على تفاعلات المجتمع بداخله. تمثل هذه التقنية نسخة رقمية جديدة من الواقع، حيث يمكننا البحث والنقر وقراءة المعلومات بسهولة. بفضل هذه التقنية، يمكن لكل فرد إنشاء شخصية مخصصة، مما يتيح له التفاعل مع الآخرين في بيئة افتراضية.

تجلب هذه التقنية فوائد عديدة، تتجاوز الترفيه. فهي تمنح الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة أو الذين يواجهون تحديات في الحياة للوصول إلى تجارب تمتاز بالعمق مثل تلك التي قد تفوتهم في العالم الحقيقي. ومع ذلك، يجب أن نكون واعين للمخاطر المرتبطة بالميتافيرس. بينما تُتيح هذه التقنية فرصًا عظيمة، فإنها قد تسبب تأثيرات سلبية، مثل انتشار المعلومات المضللة وجعل التجارب اليومية أكثر إدمانًا.

يُمكن أن تكون الإعلانات في العالم الافتراضي مصدر قلق أيضًا، حيث يثير ذلك قضايا تتعلق بالشفافية. ومع تطور التكنولوجيا، ستزداد المخاطر المرتبطة بالانغماس العميق في هذه البيئات الافتراضية. يمكن أن يصبح التأثير الفعلي للأحداث في الواقع الافتراضي عميقاً، لدرجة أن استجابة أدمغتنا تكون مشابهة لتلك التي نشعر بها في العالم الحقيقي.

هناك قلق من أن الشركات الكبرى مثل فيسبوك (Meta) ستجمع بيانات أكثر بكثير عنا، خاصة مع استخدام الأجهزة القابلة للارتداء التي تسمح بالتفاعل في الميتافيرس. ستُجمع بيانات بيومترية وسلوكية قد تُستخدم لتوقع التأثير على سلوكنا بطرق غير مستحبة. على سبيل المثال، يمكن أن يعزز ذلك قدرة تلك الشركات على السيطرة على الأفراد وفصلهم عن واقعهم.

في سياق أمني، حذر مركز الأبحاث من أن الميتافيرس قد يُشكل تهديدًا على الأمن القومي، من خلال المخاطر المرتبطة بالهيمنة التكنولوجية والمعلومات. كما أوضح الباحثون أن دمج هذه التقنية مع عملاق مثل فيسبوك قد يُسهّل نمو الجرائم المتعلقة بالصحة العقلية.

الخلاصة: كُن حذرًا!

استعد للمستقبل، لأنه قد يحمل عواقب غير متوقعة. يجب علينا أن نكون واعين للأبعاد المخفية لهذه التقنية وكيف يمكن استخدامها بشكل سليم. فهل فهمت الآن أهمية إنشاء واستغلال هذه الأنظمة بطريقة مدروسة؟

الأستاذ الدكتور غادة عامر: رائدة في مجال الهندسة والتكنولوجيا

شغلت الأستاذة الدكتور غادة عامر منصب عميد كلية الهندسة في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، حيث تبرز كقائدة ملهمة في مجال التعليم الهندسي. تمتاز بخبرتها الواسعة كزميل ومحاضر في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا. تعتبر غادة أيضًا سفير تقني لوكالة الفضاء المصرية في الفترة من 2022 حتى 2024، مما يعكس دورها الفعال في تطوير التكنولوجيا في مصر.

تشغل العديد من المناصب المهمة، منها رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. كما أن غادة لها تاريخ حافل في التنسيق والإدارة، حيث كانت وكيلة كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها، ومديرة مركز الابتكار وريادة الأعمال في أكاديمية البحث العلمي بمصر. كذلك، أسست مختبر الابتكار ASTF، وعملت كمدير تنفيذي للأوقاف العالمية.

وقد تم اختيارها كعضو في لجنة تحكيم جوائز رولكس للابتكار في سويسرا، مما يدل على إنجازاتها الملحوظة في مجال الابتكار.

على المستوى الدولي، تم تقدير جهود غادة عامر من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات التعليم الهندسي (IFEES) ومجلس عمداء الهندسة العالمي (GEDC) في الولايات المتحدة، حيث تم تحديدها كواحدة من أفضل القصص الملهمة للمرأة في مجال الهندسة والتكنولوجيا في أفريقيا. إنها مثال يُحتذى به للكثير من الرائدات في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى