
كرار فرحان هاني الطائي
باحث في الشؤون السياسية والسياسات الدولية
تأسست الحركة الصهيونية في ظل تحديات مستمرة، كانت بداية من نشوئها وتكوينها، وقد استمرت تلك التحديات على نطاق إقليمي واسع. هذا الأمر دفع الحركة لتبني آراء ومعتقدات داخل محيطها الإقليمي، حيث برزت بعض الدول كخصوم لها ورأت ضرورة مواجهتها عسكريًا. ومن أبرز النماذج على ذلك حرب 1948 التي شهدت مشاركة العراق القوية.
جعلت تلك المتغيرات القيادات الصهيونية تدرك ضرورة البحث عن استراتيجيات تتجاوز التحديات الأمنية، حيث كانت حالة الأمن تعاني من نمط بدائي وَضيِّق يقتصر على القوى العسكرية. لذا، بدأت الحركة في التفكير في التغيرات الجغرافية والديمغرافية، حيث تواجدها في مساحة ضئيلة وعدد سكان محدود يجعلها عرضة للخطر، في حال قررت الدول العربية توحيد هجماتها. فمع قليل من السكان، تواجه تحديات كبيرة على مستوى القوات العسكرية، مما يزيد من المخاوف من تهديداتها.
أدى ذلك إلى قلق العديد من الدول الراغبة في بناء دولة في المنطقة العربية، خشيةً من أن تلتهمها قوى عربية. لذلك، عززت القوة الصهيونية نفسها بالسلاح النووي، مما جعلها تتفوق على مستوى القوة رغم عقم العدد السكاني. ومع ذلك، اختارت الحركة العمل على تحسين علاقاتها مع جوارها الإقليمي، وقد نجحت في تحقيق الاعتراف بها من 163 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة. وفيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع الدول العربية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- عقدت جمهورية مصر العربية اتفاقية التطبيع في عام 1979.
- قام الأردن بتوقيع اتفاقية التطبيع في عام 1994.
- موريتانيا طبعت في عام 1999.
- تحت ضغوط دولية كبيرة، رضخ الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات إلى توقيع عدة معاهدات بدءًا من الثمانينات وحتى بداية الألفية الثالثة، culminating in اتفاقية أوسلو التي اقترحت قيام دولتين: واحدة عربية في الضفة وغزة، والثانية إسرائيلية تسيطر على أكثر من 77% من الأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، لم تنفذ إسرائيل الشروط السياسية والاقتصادية المتفق عليها،فضلًا عن محاصرتها لياسر عرفات حتى وفاته.
- الإمارات العربية المتحدة طبعت علاقاتها في عام 2020.
- تم إجراء التطبيع مع البحرين في عام 2020 أيضًا.
هناك دول أخرى حالياً تدرس خيارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن هناك مخاوف من ردود الفعل الداخلية مما يؤدي إلى تأجيل تلك الخطوة. بينما يتمسك البعض برفض التطبيع بشكل قاطع، ويعملون على سن تشريعات داخلية تتضمن عقوبات تصل للإعدام، خاصة كما هو الحال في العراق.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يعمل الكيان الصهيوني بشكل مستمر على جعل العراق واحداً من الدول المطبعة، نظرًا لأنه يعد من أصعب البلدان في هذا المجال.
تتواجد ردود فعل قوية في المنطقة ضد التطبيع، ولا سيما من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد دفع هذا الوضع بعض السياسيين ذوي الشعبية المحدودة إلى تنظيم مؤتمر للتطبيع في أربيل، مما أدى إلى انزعاج حاد من الحكومة والمجتمع. هنا بعض المعايير التي تجعل من الصعب على العراق الانخراط في التطبيع تحت أي ظرف من الظروف:
- يتمتع المجتمع العراقي بعقائد راسخة ترفض التطبيع، مما ينعكس على العداء تجاه الكيان الصهيوني، حيث يعتبر الوطنيون العراقيون الولاءات العقائدية العراقية من أبرز أعدائهم.
- حاولت إسرائيل الربط بين التطبيع والتنمية في المنطقة، مما خلق نوعاً من التقارب في بعض الدول، بما في ذلك فئات محدودة في العراق، خصوصاً في إقليم كردستان. ولكن وغزارة الخبرة، يُظهر أن موريتانيا، رغم مضي أكثر من 20 عاماً على تطبيعها، ما زالت تعاني من أزمات فساد وتخلف في مختلف المجالات.
- تتواجد فصائل مسلحة عقائدية قادرة على التصدي لأية محاولات حكومية أو شبه حكومية للتطبيع، بغض النظر عن النتائج المحتملة.
- ثمة ضرورة لمراعاة توافقات تشريعية قد تؤدي إلى إقرار التطبيع، لكن هذا الأمر صعب التحقيق في ظل حكومة تتسم بالتوافق العميق وتعتمد على آليات الصفقات والمحاصصة، مما يسهل عرقلة العمليات التشريعية.
- بسبب الفساد والواقع المرير الذي يعاني منه العراق، فإن أي جهة تسعى للتطبيع ستواجه نقمة كبيرة من الشارع، وكأنما هي الشرارة التي ستشعل فتيل الأزمات.
من الواضح أن العراق غير مؤهل للاعتماد على التطبيع في المدى القريب، مما يجعله تحت ضغوطات دولية متزايدة. وفي حال قررت الحكومة القبول بالتطبيع، فإن ذلك سيمس بالنسيج الوطني ويخالف المبادئ الأساسية للسكان، مما سيؤدي إلى تداعيات وخيمة في المجتمعات المحلية.





