
العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني الأنصاري
يشير مصطلح الحرب الهجينة إلى إستراتيجية عسكرية ذات طابع فريد، حيث تأخذ شكلًا ثوريًا يتجاوز المفاهيم التقليدية للحرب. ورغم أنها تبدو حديثة، إلا أنها تتسم بأصالة متجددة. هي نوع من القتال يعجز فيه الجيش النظامي عن هزيمة عدو يعتبر غير محترف ويتبنى أساليب قتال غير تقليدية، متبنيًا أفكارًا مبتكرة تدمج بين مفهوم الحرب الشعبية والحرب الثورية وطريقة حرب العصابات.
مؤخراً، شهدت الحرب الأفغانية تفشي هذا المفهوم، مع بروز حركة طالبان كنموذج مثير للإعجاب يُظهر نجاح هذا النهج. فقد خاضت طالبان سلسلة من النزاعات ضد القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان، مما أكد فاعلية استراتيجية الحرب الهجينة.
إن الحرب الهجينة لا تلتزم بقواعد صلبة أو أشكال معينة. من القيادة إلى العمليات الميدانية، تتغير الأهداف باستمرار، مما يعقد الأمور بالنسبة للعدو. الهدف الأسمى هو تدمير قوة الخصم وإضعاف قدراته. هذا يتناقض بشكل جذري مع القواعد التقليدية المتعارف عليها، إذ لا تستند إلى منهجيات قتال تقليدية تشكل الأساس الفكري لأغلب الجيوش العالمية. لقد قامت بخلق نمط صراع مختلف، لا يقتصر على الجيوش النظامية أو المحترفين العسكريين، بل يدمج بين ضراوة المواجهات العسكرية والخصائص المميزة للحرب غير النظامية.
عند النظر إلى الحروب التقليدية، نجد الجيوش تتواجه بناءً على نظام مرتب، حيث تعتمد على تدريب عالي وكفاءة قتالية مرتفعة، مدعومة بأسلحة متطورة توفر لها قوة نارية فعالة. وعادةً ما تتكرر سيناريوهات الحرب من القتال والقصف الجوي إلى شن الهجمات المدفعية والصاروخية قبل أن تتطور الوحدات القتالية للمواجهة المباشرة.
رغم مزايا النهج التقليدي في الدفاع، تظهر السلبيات حينما تتعرض الدول الضعيفة أو المتوسطة لغزو من قوى عسكرية عظمى. في هذه الحالة، تصبح فرص النجاح أو التقدم ضئيلة بسبب التفوق النوعي والكمّي في المعدات، مما يجعل الوحدات العسكرية في المتناول لأهداف القصف الجوي والصاروخي.
أما في الحرب الهجينة، نواجه عدوًا عنيدًا يحارب من خلال تشكيلات شبه عسكرية تفتقر إلى التدريب الرسمي. في هذا السياق، يُدخل السكان المحليون عنصر المقاومة في القتال، سواء دفاعًا عن أراضيهم أو في إطار النزاعات الداخلية. بينما يمكن أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية تحكمها توجهات فكرية، فإن أساليب الحرب التقليدية تفشل أمام هذه التحديات، مما يستدعي حسابات جديدة وأفكار مبتكرة في كل مرحلة من مراحل القتال.
تتطلب إدارة الحرب الحديثة تغييرات عميقة، حيث تكشف لنا النتائج مع مرور الوقت عن التعقيدات المتزايدة في مواجهة الأعداء الذين يظهرون ويختفون، وينفذون ضرباتهم بمهارة ونجاح. أظهرت دراسة بحثية تم تكليف الجيش الأميركي بإجرائها حول أساليب الحروب الأخيرة في مناطق الصراع الساخنة أن هناك طرقًا تحارب بها القوى المسلحة غير النظامية، والتي تؤثر بدورها بشكل كبير على استراتيجيات التدريب ونشر القوات وتنظيمها، بالإضافة إلى تطوير الأسلحة. هذه الدراسة أكدت قدرة الخصوم الهجينين على تشكيل تحديات جادة للدول التي تركز بالأساس على تقنيات القتال النظامي، مشددة على أهمية عدم الانغماس في عمليات اجتياح برية نظرًا للعواقب الوخيمة المرتبطة بها.
لقد أثبتت نماذج الحروب التي اعتبرت هجينة أن المقاتلين يستخدمون استراتيجيات حديثة في حرب العصابات لمجابهة الخصم. حيث يعتمدون على نمط عمليات متنوع، مما يجعل من الصعب على الجيوش النظامية تحديد ما إذا كانت تخوض حربًا تقليدية أم غير تقليدية. أيضًا، يستفيدون من تكنولوجيا الاتصالات الحديثة لدعم معنوياتهم وكسب التأييد الشعبي والرأي العام الدولي. وفقًا لذلك، قام الخبراء العسكريون بتصنيف القدرات العسكرية للخصوم إلى ثلاث مستويات، كل منها يتطلب متطلبات عسكرية متباينة:
- مجموعة مسلحة خفيفة تعتمد على وسائل الاتصالات المحلية وقد تستخدم أساليب بدائية عند الحاجة.
- قوى هجينة مدعومة حكوميًا، تتميز بالتدريب والتنظيم المتوسط، حيث تمتلك أسلحة مشابهة لتلك المستخدمة من قبل القوات غير النظامية.
- جيوش نظامية كبيرة مدربة ومنظمة، تعتمد التخصص والاحتراف في قواتها، وتتحرك وفق خطط محكمة.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال التصدي لأساليب الحرب الهجينة، التي تتسم بالابتكار وتعتمد على فهم الأرض واستغلالها في العمليات الحربية.
أمثلة على الصراعات الهجينة:
تُعتبر العديد من الحروب التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم، مثل الحرب الأفغانية، الحرب الصومالية، الحرب اللبنانية، الحرب السودانية، الحرب الفلسطينية، والحرب الليبية، أمثلة على الحروب الهجينة التي عانت فيها الجيوش النظامية من عجز مقابل خصومهم، رغم الفروق الكبيرة في التنظيم والتسليح. وقد أثبتت هذه الصراعات فعالية استراتيجية الحرب الهجينة، مما دفع الكثير من الجيوش لإعادة تنظيم وحداتها وتسليحها لتتناسب مع هذه الاستراتيجيات.
استراتيجيات ووسائل الحرب الهجينة:
تشمل الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مثل الصواريخ والرشاشات ومضادات الطيران، جميعها أدوات ضرورية في سياق الحرب الهجينة. تُعتبر معرفة طبيعة الأرض ومسالكها من العوامل المهمة أيضًا، بجانب وسائل الاتصال الحديثة. تعتمد أساليب الحرب الهجينة على حرب العصابات، عمليات حرب المدن، وإعداد الكمائن، مما يستدعي تجنب المعارك الواسعة والتركيز على الاشتباكات الصغيرة والانغماس في استخدام أساليب متنوعة تتراوح بين البدائية والتكنولوجية حسبما يتطلب الصراع. يتطور الصراع ليصبح أكثر تعقيدًا مما كان عليه، استجابة للتقدم التكنولوجي والتغيرات المعلوماتية.
في خضم الحروب الهجينة، تتداخل أنماط القتال التقليدية مع أساليب القتال المستحدثة، مستخدمة التكتيكات والعمل الفدائي، مما يساعد في استنزاف وإرهاق الخصوم، والإجبار على الانسحاب من الأراضي المحتلة أو التخلي عن سياسات خارجية معينة.
ميزات القتال باستراتيجية الحرب الهجينة:
يرى محللون عسكريون أن مستقبل الحروب سيكون مزيجاً من المواجهات التقليدية والمناوشات، مما يدفع الدول إلى التخطيط للتحول نحو الحروب الهجينة. هذا التوجه يهدف إلى تعزيز ثقة المواطنين في قدرة جيشهم على مواجهة التهديدات الأمنية ومواكبة التطورات المتسارعة في القدرات القتالية العالمية. تشمل هذه التطورات الهجمات على أنظمة الكمبيوتر وتحديد المواقع العالمية عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى تنظيم حملات إعلامية ونفسية تؤثر على التدريب ونشر القوات وشراء الأسلحة.
تجمع عمليات الحرب الهجينة بين مفاهيم العمليات التقليدية والعمليات الشعبية وحرب العصابات، مما يعني أنه يتم إدخال أساليب جديدة في القوات النظامية. هذا النوع من الحرب يمتاز بعدد من الخصائص التي تمثل خيارات استراتيجية رئيسية للدول للتحول نحو أساليب القتال الحديثة، ومنها:
- المرونة العالية في الخطط القتالية، مما يسمح بالانتشار السريع وتكييف الاستراتيجيات وفقاً لتطورات المعركة.
- تجنب الاشتباك المباشر مع العدو لتقليص تأثير قوته النارية، واختيار الأوقات المناسبة للهجوم.
- اعتماد فكرة ساحة الحرب المفتوحة بدلاً من الخطوط الثابتة، مما يتيح حرية أكبر في الحركة.
- استثمار النجاحات من عمليات الإغارة وتوجيه الضغوط على نقاط ضعف العدو لتحقيق الأهداف المحددة.
- تجيير موارد بسيطة وغير مكلفة لإعاقة تقدّم القوات التقليدية الأضخم.
- الاعتماد على القدرات المحلية، بما في ذلك تخزين الذخائر والمواد الضرورية لتفادي مشكلات الإمداد.
- نشر القوات مبكراً كأسلوب فعال للدفاع السلبي ومنع الاستطلاع.
- تنويع الاستخدامات للسلاح الثقيل بالتركيز على النوعية بدلاً من الكم، مما يخفف الأعباء في المعارك.
- زيادة الاعتماد على الأنظمة الصاروخية التي تبرز دقتها وقوتها التدميرية ضمن أسلوب الحرب الهجينة.
- تجهيز القوات والبنية التحتية لمواجهة التفوق الجوي المعادي عن طريق إنشاء مراكز قيادة متنقلة ومحصنة لضمان استمرارية العمليات حتى في أصعب الظروف.
باحث ليبي في الشؤون الدفاعية





