
سلط تحقيق أجرته صحيفة “فينانشال تايمز” الضوء على أسباب قرار أستراليا بإلغاء صفقة بعشرات المليارات من الدولارات لشراء غواصات من فرنسا، وإبرامها صفقة أخرى بديلة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، في 20 أيلول/ سبتمبر الجاري.
أثارت الخطوة الأسترالية غضبًا كبيرًا في فرنسا، مما أدى إلى نشوب خلاف غير مسبوق بينها وبين حليفتيها واشنطن ولندن.
بموجب الشراكة الأمنية الجديدة، ستقوم أستراليا ببناء 8 غواصات تعمل بالطاقة النووية تستفيد من التكنولوجيا الحديثة الأمريكية والبريطانية.
الصفقة الملغاة، التي وقعتها أستراليا مع شركة “نافال غروب” الفرنسية في عام 2016، كانت تتعلق بأسطول من 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل، وبلغت قيمتها تقديرات تتراوح بين 40 و90 مليار دولار.
وفقًا لتقارير “فينانشال تايمز”، تعود دوافع أستراليا لإلغاء التعاقد مع فرنسا بشكل أساسي إلى الفروق التكنولوجية بين الغواصات في الصفقة الملغاة ونظيراتها في الصفقة الجديدة.
الفرق الجوهري يكمن في تقنية الدفع المستخدمة في الغواصات المتعاقد عليها مع واشنطن ولندن، مقارنةً بالصفقة الفرنسية القديمة.
الغواصات الفرنسية الملغاة تعمل بمحركات كهربائية تُشحن عبر محركات الديزل، مما يجعل حجمها صغيرًا نسبيًا، كما يمكن تشغيلها في صمت عن طريق الاعتماد على الطاقة الناتجة من البطاريات.
غير أن هذا النوع يحتاج إلى تقنيات تعويم منتظمة لإعادة شحن بطارياتها، مما يعرف بـ “الشخير”.
أما الغواصات النووية الموجودة في الصفقة الجديدة، فهي تقدم قدرة تحمل أكبر، حيث تحتوي على مفاعلات تولد الكهرباء لتشغيل المحركات ودفع المراوح، وتستخدم الحرارة الناتجة لتوليد البخار لتشغيل التوربينات.
من أبرز ميزات هذه الغواصات أنها تستطيع البقاء تحت الماء لفترات زمنية أطول بكثير.
وعلى عكس الغواصات التقليدية، تستطيع الغواصات النووية الاحتفاظ بوقود يكفي لعمليات تصل إلى 30 عامًا، مع الحاجة فقط للعودة إلى الشاطئ للصيانة والإمدادات بشكل متقطع.
في أسس خطتها الدفاعية السابقة، كانت أستراليا قد اختارت غواصات فرنسية تقليدية لتحل محل أسطولها من فئة “كولينز”.
وقد عرضت فرنسا سابقًا تحويل الغواصات التقليدية في الصفقة الملغاة إلى غواصات تعمل بالطاقة النووية، تزامنًا مع امتلاكها لهذه التكنولوجيا، لكن لم تتلقَ رداً من أستراليا.
وعلق رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، قائلاً إنه “غير نادم” على القرار الذي يقود المصلحة الوطنية لأستراليا إلى الصدارة.
إلا أن الخبير تريفور تايلور من معهد “رويال يونايتد” البريطاني، أشار إلى أن انتخاب أستراليا للغواصات النووية يحمل تحديات كبيرة، بسبب نقص البنية التحتية اللازمة.
وذكر أن إنشاء البنية التحتية النووية الكاملة يتطلب تكاليف هائلة، فضلاً عن الحاجة إلى أفراد وتنظيمات أمان خاصة ومرافق التعليم والتدريب.
تجدر الإشارة إلى أن الغواصات النووية تُعتبر من أكثر الآلات تعقيدًا التي يصنعها البشر، حيث تتطلب أنظمة دقيقة تسمح لها بالعمل بشكل آمن وفعال.
ومع ذلك، من المنتظر أن تعزز الصفقة الجديدة من قدرات أستراليا التسليحية بشكل ملحوظ.
أكد ريتشارد فونتين، من مركز الأمن الأميركي الجديد، في حديثه لـ”فينانشال تايمز”، أن أستراليا تعتزم نشر صواريخ تقليدية على غواصاتها الجديدة. هذه الغواصات ستتمكن من حمل شحنات أسلحة أكبر مقارنة بالغواصات الفرنسية.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر قرار استيراد صواريخ “توماهوك” بموجب اتفاقية التعاون مع واشنطن ولندن، تعزيزاً مهماً لقدرات أستراليا الدفاعية، حيث يمكن تفعيل هذه الصواريخ من كلا السفن والغواصات.
وبحسب إريك سايرز، الخبير العسكري في معهد “أميركان إنتربرايز”، فإن تزويد الغواصات بصواريخ “توماهوك” يعزز بشكل كبير القوة الضاربة التقليدية للبحرية الأسترالية. هذه الإضافة ستقلل من الفجوة في القوة بين أستراليا والصين.
وأفاد سايرز بأن “توماهوك” تحول السفن البحرية إلى أصول إستراتيجية قادرة على استهداف منشآت على بعد 1000 ميل (حوالي 1600 كيلومتر). هذا التطور يُعد خطوة هامة في استراتيجية الدفاع الأسترالية.
ستمكّن صواريخ “توماهوك” أستراليا من تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف في الصين في حال اندلاع أي صراع. هذه القدرة ستكون حيوية، حيث أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيواجهون نقصاً في الأصول العسكرية مقارنةً بالجيش الصيني بالقرب من سواحلهم.
وأشار سايرز إلى أن “توماهوك” تتيح لأستراليا تنفيذ ضربات بعيدة المدى ضد الأهداف البرية، مثل تدمير أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي أو حظائر الطائرات، مما يعكس تفوقاً نوعياً في القدرة العسكرية.








