
ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
في فبراير 1999م، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بتأسيس صندوق لرأس المال المخاطر يسمى “In-Q-Tel”، والذي تم إنشاؤه بواسطة “نورم أوغسطين”، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “Lockheed Martin”. هذا الصندوق أصبح ذراعًا لوكالة المخابرات لتمويل مشاريع تكنولوجية ذات اهتمام مشترك مع السوق التجاري، مستفيدة من الميزانية السرية لوكالة المخابرات.

تتطلع مهمة صندوق “In-Q-Tel” إلى تحديد الحلول التكنولوجية المبتكرة للعديد من التحديات ودعم مهام وكالة المخابرات الأمريكية. يعتمد الصندوق على الاستثمار في رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، بما في ذلك الباحثين الذين يطورون تقنيات متقدمة تتيح لوكالة المخابرات تحقيق أهدافها بكفاءة أكبر. وقد أسهم الرئيس “بايدن” في تعزيز هذا الاتجاه بتعهداته التي بلغت 9 مليارات دولار لتحديث التكنولوجيا داخل الحكومة الفيدرالية.
صندوق “In-Q-Tel” يركز على ثلاث مجالات تقنية رئيسية: البرمجيات، البنية التحتية، وعلوم المواد. وفي عام 2020م، تم إطلاق برنامج جديد تحت اسم “IQT Emerge” لفتح المجال أمام التقنية المطورة للتجسس لدخول السوق التجارية. هذه المبادرة تهدف إلى تحفيز الابتكار وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، مما يعكس تحولًا كبيرًا في استراتيجية الدفاع التي تتبعها وكالة المخابرات في مواجهة التهديدات على البنية التحتية الحيوية والتقنيات الناشئة.
كما أنه في سبتمبر 2020، تم الإعلان عن إنشاء “CIA Labs”، أول مختبر فيدرالي للبحث والتطوير من قبل وكالة المخابرات، والذي سيمكن ضباط الاستخبارات من الحصول على براءات اختراع وتراخيص للمنتجات.
تلعب الشركات التي أنشأها صندوق “إن كيوتل” دورًا محوريًا في تحول مجتمع المخابرات، حيث تبرز الحاجة إلى ثورة تقنية بدلًا من تطور بسيط. تنضوي تحت لواء هذا الصندوق عدة شركات بارزة، منها شركة “إن كيوتل” والتي تركز على استخدام مزدوج للتكنولوجيا. ومن الأمثلة على ذلك شركة “Skincential Sciences” التي تقدم منتجات تجميل تهدف إلى تحسين مظهر البشرة، وفي الوقت ذاته تطور نظامًا لجمع المؤشرات الحيوية من خلال اختبار الحمض النووي بشكل سري. وقد حصلت هذه الشركة على براءة اختراع لتقنية جمع الحمض النووي بدون ألم، مما يتيح الحصول على معلومات كيميائية حيوية بفعالية وسرعة.
الشركة الأخرى التي استثمر فيها الصندوق هي “جيوفيديا”، والتي توفر تقنيات متطورة تتيح للعملاء تحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي وربطه بالمواقع الجغرافية. هذه التقنية أصبحت ذات أهمية كبيرة خاصة في ظل الأحداث العالمية، مثل ما حدث خلال “الربيع العربي”، حيث استُخدمت لمتابعة المتظاهرين ومعلوماتهم.
أيضًا، في عام 2016، استثمر صندوق “إن كيوتل” في شركة “سيلانس”، التي تزود مديري الأمن بالأدوات اللازمة لكشف وكبح هجمات الأمن السيبراني. وتعتمد هذه الحلول على تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
من الشركات الأخرى الملحوظة، “فانتوم”، المرتبطة بشركة NSO الإسرائيلية، والتي تبيع برمجيات تجسس للحكومات. تُستخدم برامج “فانتوم” لاختراق الهواتف الذكية عن بُعد، مما يمكّن المستخدمين من سحب المعلومات الحساسة مثل الرسائل النصية وعناوين البريد الإلكتروني، وتتبع المواقع.
يشير عدد الشركات التي أسسها صندوق “إن كيوتل” إلى ضرورة أن تكون مؤسسات الاستخبارات في العالم العربي قادرة على التكيف مع الابتكارات السريعة. ومع تزايد اعتمادات التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، يجب أن نفهم أن هذه التحولات قد تؤدي إلى تهديدات سرية لوكالات الاستخبارات
ومع ذلك، ما يزال العديد من مؤسسات الاستخبارات في الدول العربية تعمل بناءً على مفاهيم قديمة تعود إلى فترة الحرب الباردة. من الضروري الآن تجاوز الرؤى التقليدية في فهم الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات، بالإضافة إلى إدراك أن المعرفة اليوم هي في متناول الجميع، مما يتطلب تحولًا جذريًا في المفاهيم والسياسات المتبعة.








