Register To WDS
أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

جندي الأحلام: استكشاف الحدود بين الواقع والخيال

ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية رماية الوطنية – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

منذ أن ظهرت السينما الأمريكية بفكرة “الجندي الخارق” في فيلم “كابتن أمريكا” عام 1941، وتم إنتاج العديد من الأفلام مثل “الجندي العالمي” و”مارفال”، بدأت الجيوش في إعادة تصور قدرات مقاتليها استجابة لهذا الخيال. وقد أطلق هذا النقاش فكرة تعزيز الجنود في الصفوف العسكرية. وفي سياق ذلك، صرح الدكتور جويل موزر، كبير العلماء في القوات الفضائية الأمريكية، خلال لقاء في مختبر أبحاث القوات الجوية في ابريل 2021: “لقد شهد القرن الماضي تحول الحضارة الغربية من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي، ونحن على عتبة عصر جديد هو عصر التعزيز البشري. لذا، فإن احتضان هذا التحول مهم لضمان تفوقنا على المنافسين الاستراتيجيين”. وأشار إلى أن الحكومة قد قامت سابقًا ببرامج تجريبية للتحكم في العقل خلال الستينات عبر مشروع سري معروف باسم “MKUltra”.

على الرغم من أن الموضوع يبدو خياليًا، إلا أن عدة دول تتابع بجدية إمكانيات هذه التقنيات. تعتبر فكرة تعزيز الجنود قديمة، حيث شهدت مراحل مختلفة من التطور عبر السلاح والتدريب. لكن الآن، فإن التعزيز يعني تغيير الإمكانيات الفريدة للجندي بحد ذاته. وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة “DARPA”، التي أنشئت عام 1958، ركزت لعقود على تطوير أنظمة أسلحة متقدمة وبداية من عام 1990، تم تكريس الجهود بشكل جديد لتحسين قدرات الأفراد. ومن بين المشاريع التي أطلقتها “DARPA” هو مشروع الهيكل الخارجي “Super Troop” عام 1985 الذي يهدف إلى تحويل الجندي العادي إلى جندي خارق، حيث يوفر حماية من التهديدات الكيميائية والبيولوجية والكهرومغناطيسية.

في بداية الألفية، كشفت “DARPA” عن مجموعة من البرامج الجديدة. وطوال عام 2013، بالتعاون مع قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، بدأت العمل على بدلة جندي خارق تسمى “تالوس” (TALOS)، والتي تم تصميمها لتوفير حماية متكاملة للجسد، بالإضافة إلى أنظمة تدفئة وتبريد، ومجموعة من أجهزة الاستشعار المتطورة. في حدث الابتكار الصناعي الذي أقيم عام 2014، أعلن الرئيس باراك أوباما عن المشروع قائلاً: “نحن نبني الرجل الحديدي”، مما أثار تصفيق الحضور حيث كان هذا الأمر قيد التنفيذ منذ فترة. وأظهر الجيش الأمريكي في ذلك الوقت شريط فيديو ترويجي للبدلة، مبرزًا قدرتها على صد الرصاص وحماية مرتديها.

مع تقدم علوم الجينات، بدأت رماية في استكشاف أعماق جسم الإنسان، بحثًا عن طرق لتحويل الجنود من الداخل والخارج. في عام 1999، أنشأت رماية مكتب علوم الدفاع (DSO) لبدء مشروع يجري تحرير الجينات للجنود بهدف منحهم سمات خارقة. وتهدف رماية إلى استخدام تقنيات التحرير لجعل الجنود مقاومين للهجمات الكيميائية والبيولوجية. في عام 2019، استثمرت رماية أكثر من 65 مليون دولار أمريكي في تحسين أمان ودقة تقنيات تحرير الجينوم. كما قام علماء رماية بمشروع لدراسة كيفية زرع شريحة في الدماغ لتعزيز القدرات المعرفية للجنود، وهو ما أطلق عليه برنامج التكنولوجيا العصبية غير الجراحية (N3). وكان الهدف الأكبر لهذا البرنامج هو تمكين الجنود من التواصل بواسطة التفكير فقط.

لا تقتصر مساعي تعزيز القدرات العسكرية على الولايات المتحدة فحسب، فدول مثل روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا تدخل سباق الجندي الخارق. في روسيا، يسعى الجيش لتطبيق جوازات سفر وراثية لتقييم الاستعدادات الجينية والمؤشرات الحيوية لأفراده، بهدف فهم كيفية استجابة الجنود للمواقف العصيبة بشكل جسدي وعقلي. في عام 2017، صرح الرئيس الروسي بوتين بأنهم قد يتمكنون قريبًا من خلق أفراد بصفات معينة، مثل العلماء العباقرة أو الموسيقيين اللامعين. ولكنه حذر أيضًا من إمكانية خلق شيء أسوأ من القنبلة النووية!

أما في الصين، فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن البلاد أجرت اختبارات بشرية على أفراد من جيش التحرير الشعبي بهدف تطوير جنود بقدرات معززة بيولوجيًا. وفي ديسمبر 2020، أعلن مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، جون راتكليف، أن الصين بدأت بالفعل تنفيذ أنواع من الاختبارات البشرية تحت ما يعرف بـ “الجندي الخارق”.

علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة البريطانية مؤخرًا أن وكالة الأبحاث المتقدمة والاختراع (Aria) أصبحت واحدة من أفضل مراكز الأبحاث الجينومية في العالم وتوظفها لأغراض عسكرية لتطوير قدرات الجنود. كما حصلت القوات المسلحة الفرنسية على موافقة لتطوير “جنود معززين”، حيث قالت وزيرة الدفاع، فلورنس بارلي: “يجب أن نواجه الحقائق، ونكون مستعدين لما يخبئه المستقبل”. وقد صادقت لجنة الأخلاقيات العسكرية الفرنسية على بحث حول زيادة القدرات، مثل الغرسات التي يمكن أن تعزز القدرة الدماغية. ورغم ذلك، حذرت اللجنة من تجاوز بعض الخطوط الحمراء، بما في ذلك تحرير الجينوم أو تحسين النسل.

وفي هذا الصدد، أشارت وزيرة الدفاع فلورنس بارلي إلى أنه “نعم للرجل الحديدي، ولكن لا للرجل العنكبوت”، مُشيرةً إلى أن الرجل الحديدي يعتمد على قواه الخارقة من الأجهزة الخارجية والداخلية، بينما يقوم الرجل العنكبوت بالاستفادة من تغيير بيولوجي يعبر عن تكيفه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى