Register To WDS
علي الهاشممقالات رأي

عاصفة في السماء: رحلة مقاتلة الرافال

علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية

طائرة الرافال

تعود أول معرفتي بمقاتلة الرافال الفرنسية إلى عام 1987 من خلال إحدى المجلات الشهيرة المعنية بالشؤون الدفاعية. لقد أسرتني تلك الطائرة بتصميمها المبهر وجمالها الفريد منذ اللحظة الأولى. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أتابع كل ما يخصها من أخبار ومعلومات، سواء عبر المقالات القرائية أو الوسائط المرئية مثل الصور ومقاطع الفيديو.

بالفعل، لم يمر وقت طويل حتى رأيت تقريرًا عنها على التلفاز، حيث كان طيار الاختبار الفرنسي المتميز “غي ميتو موروروار” يقوم بأول رحلة اختبارية. وتم إجراء هذا الاختبار لمحاكاة هبوط الطائرة على متن حاملة طائرات فرنسية، مما كان يشير إلى مرحلة الاستعداد لبدء عملية تصنيع نموذج خاص للبحرية الفرنسية.

خلال عملية الطيران، كان هناك ثلاثة مراقبين فنيين على الأرض يتواصلون بشكل دوري مع الطيار للحصول على أدق البيانات اللازمة لتحسين أداء النموذج قبل الدخول في مرحلة الإنتاج.

خطأ شائع في النطق

يتكرر بين الكثيرين خطأ في نطق اسم المقاتلة “رافال”. على الرغم من أنها تكتب Rafale، والتي تعني “العاصفة” أو “squall” بالإنجليزية، إلا أن بعض الأشخاص ينطقونها بشكل خاطئ كـ “رفائيل”. الصحيح هو “رافال” بتشكيل مداعي لفعل “الفاء”، مما يعكس مميزاتها القتالية الرائعة.

التعاون الأوروبي في الصناعة الجوية

استعادت أوروبا قوتها في مجال الطيران بعد الحرب العالمية الثانية بمرور عقدين تقريبًا. خلال هذه الفترة، بدأت بإعادة بناء صناعاتها الجوية وظهر عدد من الطائرات القتالية التي ساهمت في المنافسة مع القوتين العظميين، أمريكا والاتحاد السوفياتي. ومن بين هذه الطائرات، كان هناك نماذج مثل ميراج وSAB 35.

لكن بعض الدول، مثل الدنمارك وهولندا، فضلت الاعتماد على الطائرات الأمريكية مثل F-16 بسبب قدرتها على تنفيذ مهام متعددة بكفاءة. بينما استمرت دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في دعم الصناعات الأوروبية. كما تم تشكيل تحالفات أولية، كمشروع التورنيدو، للتوجه نحو إنتاج مقاتلة تتوافق مع متطلبات معظم الدول الأوروبية.

ومع ذلك، واجه هذا المشروع تحديات عدة، حيث كانت بريطانيا ترغب في تصميم نموذج يحتوي على قدرات الإقلاع والهبوط العمودي، الأمر الذي أثار بعض التحديات.

توجهت فرنسا في البداية نحو تصميم مقاتلة أكثر أماناً وخفّة لتناسب حاملات الطائرات التي لديها، مما أدى إلى انسحاب بعض الدول المشاركة في المشروع.

إنجازات مذهلة

حققت طائرة الرافال الفرنسية إنجازات بارزة منذ انطلاق رحلتها الأولى. في ٤ مارس ١٩٨٧، استطاعت تجاوز سرعة ٢ ماخ (ضعفي سرعة الصوت) على ارتفاع يفوق ٤٢ ألف قدم، رغم تصميم فتحات دخول الهواء البسيط.
ومن عام ١٩٨٩، بدأ النموذج A01 من الرافال في اختبار نظام التحكم بالطيران الرقمي، إلى جانب أنظمة تعمل بتقنية الألياف البصرية. يُعتبر ذلك إنجازًا فنيًا بارزًا لأوروبا الغربية، وبالأخص لفرنسا، حيث باتت الطائرة تعمل بنظام Fly-By-Light الذي طورته ناسا لصالح المركبات الفضائية.
هذا النظام يتحمل التشويش والتداخل الكهرومغناطيسي، مما يتيح توجيه الطائرة بسرعة خاطفة مقارنةً بالأنظمة التقليدية. كما سجل النموذج A01 قدرة على الطيران بزاوية هجوم تصل إلى ٣٢ درجة بينما وصلت أدنى سرعة لها ١٤٨ كلم/ساعة دون خطر الانهيار. وكانت السرعة القصوى عند الارتفاع المنخفض ١٣٩٠ كلم/ساعة أو ما يعادل 1.4 ماخ.

تفوق غير مسبوق

استقطب مشروع إطلاق مقاتلة الرافال انتباه خبراء الصناعات الجوية العسكرية بفضل إمكانياتها المذهلة.
حددت شركة داسو الفرنسية قدرتها على المناورة بحدود 9+g و3.2-g، حيث يمكن لمعظم الطيارين تحمل 9 أضعاف أوزانهم، رغم أن التحمل 3.2 يمكن أن يكون مميتاً. وُجد أن الرافال قادرة على تحمل أكثر من ذلك بكثير، حيث تجاوزت 13+g.
مقعد الطائرة مصمم بزاوية ميل 29 درجة، مما يقلل المسافة بين القلب والدماغ. بالإضافة إلى شاشة عرض رأسية ذات زاوية عريضة وخوذة ذكية تقدم معلومات الطيران اللازمة.
وتتضمن التصميمات التحكم التلقائي بمحركي الطائرة من خلال مقبضين، وهو مفهوم جديد لا يزال غير مستخدم بشكل واسع في باقي الدول. يعتمد النظام المتقدم على الذكاء الاصطناعي لضبط نسبة الدفع وفقاً لظروف المهمة.
تستخدم شاشات العرض في قمرة القيادة تقنية اللمس دون أزرار، ما يجعل الرافال طائرة سبقت عصرها بعقدين وتطبق فلسفة “حوار الإنسان والآلة” بشكل رائد.

معضلة داسو

على الرغم من التفوق والابتكار الفرنسي، تعاني شركاتهم من عدم القدرة على توظيف تلك الابتكارات بشكل يضمن استمراريتها ونجاحها، ما أثر على مشروع مقاتلة الرافال, الذي سجل الكثير من الإمكانيات الرائعة.

إن معركة الطائرات المقاتلة تتخذ طابعاً خاصاً، حيث تواجه مقاتلة الرافال الفرنسية تحديات متعددة تعرقل مشروعها بعد نجاح مشروع منافستها اليوروفايتر. جدير بالذكر أن فرنسا، بعد مشاركتها الفعّالة في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، شهدت نوعاً من التردد بين قادة القوة الجوية. خاصةً عندما طرح خيار تصنيع نموذج ثنائي المقعد من الرافال، حيث رأى البعض أن الضغوطات على الطيار الواحد تفوق تلك على الطيارين الذين يعملون معاً.

اعترضت بعض عناصر القيادة البحرية في فرنسا على هذا القرار، مؤكدين أهمية وجود تنوع في مقاعد الرافال بين مقعد واحد ومقعدين. التكنولوجيا الحديثة، بحسب زعمهم، من شأنها تقليل الضغوط أثناء تنفيذ المهام. في النهاية، تمكّنت البحرية من الحفاظ على طلبها لمقاتلات رافال بمقعد واحد، بينما تم تخصيص مجموعة معينة من مقاعد الرافال الأحادية لصالح سلاح الجو، إلى جانب الغالبية بمقعدين.

هذا الجدال الذي نشأ أدى إلى تأخر كبير في تطوير وتسويق الرافال، مما ساهم في انصراف دول أخرى نحو خيارات طائرات مقاتلة تقدم نفس الجودة والقدرات.

معضلة البحرية الفرنسية

ما زالت المشكلة قائمة في تحديد نموذج الرافال المرغوب. ولكن ظهرت معضلة جديدة تخص القوة الجوية للبحرية، مرتبطة بالتقلبات الناجمة عن المعضلة السابقة. البحرية الفرنسية كانت تأمل في الحصول على نموذج ذو مقعد واحد من الرافال، للعمل من حاملات طائرات جديدة ذات مواصفات عصرية تختلف عن الحاملات القديمة التي تمتلكها.

وبالحديث عن الحاملات، فإن حاملة “شارل ديغول” الحديثة تعتمد على تقنية جديدة لضمان فعالية الإطلاق، مما جعل البحرية تحتاج إلى تدريب طياريها في الولايات المتحدة. خلال فترة التدريب، اكتشف الفرنسيون أن الاقتناء لمقاتلات الهورنت F/A-18C، التي تصنعها الولايات المتحدة، قد تكون خياراً أفضل من انتظار الرافال التي تأخرت في المشروع، خاصةً أنها لم تحقق أي صفقة تصديرية بعد.

هذا الأمر أثار جدلاً كبيراً، وهدد الاستقرار داخل شركة داسو والحكومة الفرنسية، مما أدى إلى إصدار قرار رسمي لدعم المشروع الفرنسي الفريد.

محرك M88

تعاني فرنسا بصورة عامة من نقص في المعرفة والتكنولوجيا المتعلقة بالمحركات الجوية. وفي الكثير من المرات، تضطر للتعاون مع شركات عالمية مثل الولايات المتحدة. في مشروع الرافال، اختار الفرنسيون الاعتماد على محركات جنرال الكتريك من نوع F404، نظرًا لمميزاتها الاقتصادية والتقنية، ومن ثم جاء بناء محرك الرافال M88 كنسخة معدلة.

في بداياته، أظهر المحرك M88 قوته بشكل ملحوظ، لكن تبين لاحقًا أن قوة دفعه غير كافية في بعض الظروف مثل الأوزان الثقيلة والارتفاعات العالية. ورغم أن المحرك تمكن من دفع الطائرة إلى سرعة تجاوزت 1.8 ماخ، إلا أنه احتاج إلى برنامج تطوير لتلبية متطلبات الطيران الحربية الأكثر تطلباً.

تجري حالياً جهود مكثفة لتطوير النموذج الأحدث لرفع قوة دفع المحرك. يُعتبر محرك M88 محركاً موثوقاً يسهل صيانته، حيث يتميز بقلة الأعطال وكفاءة استهلاك الوقود العالية.

رافال.. تحت المجهر

لنُسلط الضوء على قدرات المقاتلة رافال، التي أُطلقت في أواخر الثمانينات كمقاتلة من الجيل الرابع +. عند دخولها الخدمة في بداية الألفينيات مع البحرية الفرنسية، اكتسبت لقب مقاتلة جيل 4++. يُعزز رادار RBE2 ذو المسح الإلكتروني، الذي تم تقديمه لأول مرة في عام 1987، من قدراتها حيث كان الأول عالمياً في تقنية المسح المتعدد الأنماط (جو-جو / جو-أرض). كما ساهمت نظم التحسس بالضوء تحت الأحمر ومنظومة الرؤية البصرية OSF في إخفاء المقاتلة عن رادارات العدو.

تتميز رافال أيضاً بنظام SPECTRA للحرب الإلكترونية، الذي يعتبر من أهم مميزاتها، حيث يجعلها خفية عن الأنظمة الرادارية ويتجاوز أقوى الدفاعات الجوية.

رافال حول العالم

كان من المتوقع أن يتوقف خط إنتاج مقاتلة رافال بسبب الفشل في تحقيق صفقات دولية، خاصةً مع الإمارات التي لم توافق على دمج أسلحة أمريكية مع نظيرتها الفرنسية. وفي الهند، لم تكتمل خطط تصنيع أو تجميع مكوناتها محلياً، ولكن تم الاتفاق مؤخراً على صفقة جديدة. بدأت هذه المسيرة بالتحديد مع جمهورية مصر العربية، حيث أنقذت تلك الصفقة سوق هذه الطائرة، التي تمثل قفزة تكنولوجية قوية لتعزيز القوة الجوية المصرية.

استفادة مصر من علاقة قوية مع فرنسا تجعل طياريها يمتلكون مزايا تعد مفيدة ونادرة في العقود السابقة. أما دولة قطر، فقد كانت رافال الخيار المثالي لتعزيز أسطولها الذي يتضمن مقاتلات فرنسية مثل الميراج. وفي اليونان، كانت صفقة رافال بمثابة تجديد حيوي للقدرات الجوية، مستفيدة من العضوية في الناتو. يجري حالياً حديث عن طلب إندونيسيا لعدد من طائرات رافال، مما يعكس الطلب المتزايد على هذه الطائرة على مستوى العالم.

رافال مقاتلة فضائية!

مع تصاعد التوترات في مجال الفضاء بين الصين، روسيا والولايات المتحدة، أدركت أوروبا، وخاصة فرنسا، ضرورة تطوير أسلحة مضادة للأقمار الصناعية. وفي إطار ذلك، تم العمل على تطوير منصات صاروخية قادرة على إطلاق أقمار صناعية بواسطة مقاتلات رافال، كجزء من استراتيجية ديناميكية تسمح بإطلاق الأقمار من مواقع متحركة مثل حاملة الطائرات شارل ديغول. هذه القدرة تمكن من إخفاء مواقع إطلاق الأقمار الصناعية عن العدو، مما يضمن المزيد من الأمان والفعالية.

يوجد صاروخ يُدعى Aldebaran، مصمم لنقل أقمار صناعية صغيرة، مما يُظهر إمكانيات رافال ومرونتها في مواجهة تحديات المستقبل.

تحتوي مقاتلات رماية على إمكانيات مذهلة، حيث يمكنها حمل قمر صناعي بداخلها، مجهز برأس حربي قوي قادر على تدمير أقمار العدو الصناعية، مما يعزز من فعالية الرافال. بدأت هذه التجارب منذ عام 2013، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن إطلاق صاروخ Aldebaran أيضًا من طائرة فالكون المصممة خصيصًا لأغراض تجارية.

سوبر رافال

حالياً، تعمل شركة داسو على تطوير النسخة الأحدث من الرافال، وهي F4، التي ستحتوي على العديد من التحسينات. من أبرز هذه التحسينات هو قمرة القيادة المحسنة، بالإضافة إلى أنظمة البيانات اللوحية (آي باد) التي سيحملها الطيار بدلاً من الملاحظات الورقية التي كان يعتمد عليها سابقًا.
وسيتم تفعيل الأوامر الصوتية بشكل أكبر، مما يتيح للطيار إطلاق الأوامر وتوجيه الطائرة صوتيًا خلال الطيران.
سيتم تعزيز محرك M88 ليزود الطائرة بمزيد من القوة، مما يدعم أداء الطائرة أثناء التحليق.
كما ستقود مقاتلات الرافال الجديدة أسرابًا من الطائرات المقاتلة بدون طيار، مثل نموذج nEURon المتقدم، الذي سيحتوي على تقنيات الذكاء الاصطناعي كما تم الإعلان عنه.

من المتوقع أيضًا الاعتماد على صاروخ ميتيور بعيد المدى في النسخة F4، مما يعزز قدرة الطائرة على إسقاط الأهداف الجوية على مسافات بعيدة، إلى جانب استخدام صواريخ ميكا المتعددة الاستخدامات.

كل هذه التطورات تعزز من جاذبية الرافال وتضمن قدرتها على العمل بكفاءة حتى عام 2040.

الأستاذ علي الهاشم
الأستاذ علي الهاشم

الأستاذ علي الهاشم هو باحث ومختص كويتي في مجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية. عمل كخبير في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية لمدة 22 سنة، كما كان له عمود أسبوعي متخصص في شؤون الطيران بجريدة القبس الكويتية لمدة 12 سنة، وله مقالات في عدة مجلات علمية ودفاعية الطيران، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية. كما قام بتجربة اختبارات الطيران مع عدة طائرات عسكرية، بعضها بشكل حصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى