
ا.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر التكنولوجيا في كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
في عالم التكنولوجيا الدفاعية، يتصدر الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو برامج تطوير الأسلحة في الدول المتقدمة. بينما تحظى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام، فإن تكنولوجيا النانو لا تتلقى نفس القدر من الاهتمام، بل في بعض الأحيان يتم تجاهلها. الاستخدامات العسكرية لتكنولوجيا النانو يمكن أن تؤدي إلى اختراعات تشكل تهديدًا خطيرًا على مستوى الكوكب.
العالم يورغن ألتمان، أستاذ الفيزياء التجريبية، نشر في عام 2004 ورقة بحثية حول المخاطر المرتبطة باستخدام تكنولوجيا النانو في المجال العسكري، مشددًا على الحاجة الملحة لوضع تدابير تنظيمية للتعامل مع هذه التطورات. وتنبأ بتزايد المخاطر المرتبطة بالأسلحة البيولوجية والروبوتات الدقيقة بسبب تلك التكنولوجيا.
تاريخ استخدام تكنولوجيا النانو في الحرب والدفاع كان سريعًا ومتزايدًا. خلال العقدين الماضيين، حصلت دول كبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، المملكة المتحدة، وروسيا على تمويلات كبيرة لتطبيقات عسكرية في هذا المجال. تعد الولايات المتحدة من الرواد في البحث والتطوير لتكنولوجيا النانو، وقد أطلقت في عام 2000 المبادرة الوطنية لتكنولوجيا النانو (NNI) التي تركز على تطوير هذه العلوم لأغراض عسكرية، بما في ذلك الأسلحة النانوية.
هذه المبادرة أدت إلى توظيف تكنولوجيا النانو في العديد من البرامج الدفاعية عبر مختلف القوات العسكرية. بين السنة المالية 2001 و2014، استثمرت الحكومة الأمريكية حوالي 19.4 مليار دولار في الأبحاث المتعلقة بالنانوتكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، نص قانون القرن الحادي والعشرين على مواصلة الولايات المتحدة ريادتها في هذا المجال بفضل التعاون الوطني. في عام 2019، خصصت ميزانية الرئيس الأمريكي حوالي 1.4 مليار دولار للمبادرة الوطنية, ما رفع إجمالي المبالغ المخصصة منذ إنشائها إلى حوالي 27 مليار دولار.
صرح وزير الدفاع الأمريكي في عام 2018 بأن: “ننظر إلى تكنولوجيا النانو على أنها مجال تكنولوجي تمكيني يتطلب أعلى مستوى من اهتمام الشركات والتنسيق، نظرًا لطبيعته الواسعة وتعدد تخصصاته.” اعتبارًا من 2017، أظهرت البيانات أن الولايات المتحدة سجلت 4725 براءة اختراع، مما يعكس استمرار تفوقها في هذا المجال.
تكنولوجيا النانو في المجال العسكري: مستقبل مجهول
على مدار أكثر من 20 عامًا، برزت تكنولوجيا النانو كقوة محورية في تطوير القدرات الدفاعية. لم تكن الولايات المتحدة وحدها في سعيها لتعزيز أبحاث تكنولوجيا النانو لأغراض عسكرية، فالاتحاد الأوروبي استثمر 1.2 مليار دولار واليابان 750 مليون دولار. تعد الصين أيضًا لاعبًا رئيسيًا، حيث شهدت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، وكشف معهد بكين للتكنولوجيا (BIT) عن ابتكارات مثيرة، مثل الغواصات النووية المزودة برقائق التعلم الذاتي والروبوتات المجهرية القابلة لت penetrating الجسم البشري، وغيرها من التكنولوجيا الثورية.
تسعى الأبحاث العسكرية الحالية إلى تطوير أجهزة دفاعية تعتمد على مواد خفيفة ومرنة، تعزيزًا للتصاميم المكتملة. تباينت التطورات في هذا المجال وأنتجت تقنيات تشمل آلات روبوتية صغيرة، مواد متفجرة شديدة التفاعل، ومواد كهرومغناطيسية متطورة. هذه الابتكارات لم تعزز الدفاع فحسب، بل ساهمت في استراتيجيات هجومية عبر دمج أجهزة استشعار دقيقة وتحكم متقدم في الخصائص الكهروميكانية.
بحسب صحيفة “نانوج”، تعتبر تكنولوجيا النانو نقطة تحول في التقدم التكنولوجي للمستقبل، وهو ما يفرض على العلماء والمهندسين العسكريين البحث والاستفادة من هذه النقاط لتعزيز حماية الشعوب. يستخدم الجيش تكنولوجيا النانو في ترقيات عدة، مثل تطوير ملابس قادرة على مقاومة تغيرات الحرارة ومواد تمتص الطاقة لحماية الأفراد من الانفجارات. كما توفر تكنولوجيا النانو أنظمة اتصالات متطورة وفعالة في استهلاك الطاقة.
لكن في سياق الأسلحة، تبرز الآثار السلبية. على سبيل المثال، قامت وزارة الدفاع الأميركية بتطوير أسلحة كالقنابل المدمجة والنانونومنيوم المخصصة لزيادة معدلات الاحتراق. تقنيات مثل الناانوثرميت والأشعة السوبر تتطلب اهتمامًا خاص بسبب قدرتها الهائلة على التدمير. باستخدام هذه الابتكارات، يمكن تطوير طائرات دون طيار ذات قدرة على الإخفاء والذخائر الموجهة بدقة، مما يعزز من إمكانيات الجنود في تحقيق أهدافهم بكل دقة.
تواجه القضايا المرتبطة بأسلحة النانو صعوبات في التصنيف، مما يؤثر على الاستقرار في الساحة العالمية. حذرت وزارة الدفاع الأميركية من إمكانية أن تؤدي تكنولوجيا النانو إلى حالة من عدم الاستقرار المماثلة لما حدث خلال الحرب الباردة. بخصوص مستقبل هذا المجال، حذر تقرير من “جامعة أكسفورد” من احتمال انقراض الجنس البشري بنسبة 5% نتيجة تطوير أسلحة النانو الجزيئية. يتوقع “ديل مونتي” أن تسود الأسلحة النانوية في ساحة المعركة، وقد تصبح أكثر تعقيدًا من الأسلحة النووية.
كما أشار إريك دريكسلر، رائد تكنولوجيا النانو، في كتابه “محركات الخلق: العصر القادم لتكنولوجيا النانو”، إلى أن التقنيات القائمة على النانو يمكن أن تستخدم لتغيير البنى السكانية بتكلفة منخفضة.
الأستاذة الدكتورة غادة عامر تشغل منصب عميد كلية الهندسة في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وهي زميلة ومحاضرة في مجال تكنولوجيا الدفاع الوطني.








