
داليا زيادة
الأجواء في ليبيا تحمل رائحة الحرب، حيث بدأت حالة التفاؤل التي أثمرتها الحكومة الانتقالية الجديدة في يناير تتلاشى. على الرغم من تأييد جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لنتائج الانتخابات، إلا أنهم يختلفون على معظم القضايا الأساسية. كثرت التوترات منذ يونيو بين مختلف الفصائل السياسية، مدعومة بقوات عسكرية وأجنبية، مما أثار القلق بشأن الاستقرار. كانت الخلافات حول القرارات السياسية التي كان يجب أن تتخذها الحكومة المؤقتة، قد تحولت الآن إلى صراع فعلي بين بنغازي وطرابلس، مما يعيق العملية السياسية ويهدد بإغراق البلاد في جولة جديدة من الحرب الأهلية.
في ٢٥ يوليو، خلال زيارة له إلى سبها، صرح رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بأن حكومته لن تسمح باندلاع حرب جديدة في سبها أو في أي مدينة ليبية أخرى. وجهه الحاسمة كانت تأكيداً على رغبة الحكومة في تجنب الفوضى. لكن ورغم تصريحات الدبيبة، يطرح سؤال مهم: ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها من قبل الحكومة الليبية والمجتمع الدولي لاحتواء التوترات المتصاعدة قبل أن تتحول إلى صراع يصعب السيطرة عليه؟ الإجابة تكمن في تحديد العنصر المحفز للصراعات وإيجاد طرق للتعامل معه بحلول مدروسة.
أثناء الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا في نيويورك بتاريخ 15 يوليو، خيمت حالة من التشاؤم على المناقشات حول مستقبل البلاد. حضر الاجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إلى جانب يان كوبيش، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، وعبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية.
في الاجتماع، حذر كوبيش من تصاعد حدة المواجهات في ليبيا وأشار إلى أن بعض “القوى المفروضة بالأمر الواقع” تستخدم أساليب متنوعة لعرقلة التجهيزات اللازمة للانتخابات العامة المقررة في ديسمبر. أعرب عن أسفه لعدم وجود قاعدة دستورية متفق عليها بعد، حيث لم ينجح البرلمان في الوفاء بمهمته مع المجلس الأعلى للدولة. وأكد على ضعف تأثير منتدى الحوار السياسي الليبي في دفع الأمور للأمام.
على الرغم من أن كوبيش لم يسمي “القوى المفروضة بالأمر الواقع”، فإنه من السهل التخمين أنه يشير إلى الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر من بنغازي. يسيطر الجيش الوطني على معظم المناطق الشرقية والجنوبية في البلاد، مدعوماً من روسيا وفرنسا والإمارات، ويقوده عدد كبير من الضباط السابقين في الجيش الليبي السابق إلى جانب مجموعة من المرتزقة الأفارقة ومرتزقة تابعين لمجموعة فاغنر الروسية.
يُعتبر الوجود الروسي في ليبيا أمرًا حيويًا لضمان استمرار توازن القوى الحالي، حيث يسهم هذا التوازن في الحفاظ على الهدوء النسبي في البلاد بعيدًا عن تهديدات التصعيد المسلح. من الواضح أن السفير الروسي كان يشير في تصريحاته إلى التحديات التي تطرحها قوات الجيش التركي المنافسة في ليبيا، والتي تدعم حكومة الوحدة الوطنية. تساهم تركيا في تشكيل جيش من المليشيات في طرابلس، حيث تعمل على تزويدهم بالتدريب والمعدات المطلوبة.
القوات المسلحة التي تحت قيادة حكومة الوحدة الوطنية تُعد حاليًا الجيش الرسمي في ليبيا، وهو تشكيل جديد نسبيًا يتكون من ضباط مرتدين من مناطق غرب ليبيا وأعضاء من الميليشيات الذين عملوا تحت حكومة الوفاق الوطني السابقة. في إطار اتفاق عسكري تم توقيعه في ديسمبر 2019، مهدت القوات المسلحة التركية الطريق لتشكيل هذا الجيش، حيث تقدم الدعم اللوجستي والتدريبي. حتى الآن، يتواجد حوالي 1900 جندي تركي في طرابلس، تحت إشراف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بالإضافة إلى حوالي 15000 مرتزق، أغلبهم من سوريا.
في 13 يونيو، قام خلوصي أكار بزيارة لقواته في طرابلس، مُدليًا بتصريحات قوية ضد الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر. وصف أكار حفتر بأنه محور المشاكل في ليبيا، مُتهمًا إياه بارتكاب عمليات قتل جماعي في ترهونة وغيرها من المدن. ولهذا، شعرت قوات الجيش الوطني الليبي، إلى جانب بعض السياسيين في بنغازي، بالاستفزاز من هذه التصريحات، إذ قام المتحدث باسمهم بالتصريح في فيديو مُصور مُشيرًا إلى احتمال وجود أسلحة غير مشروعة خلال زيارة أكار.
وفي 20 يونيو، وفي نفس الأسبوع الذي زار فيه أكار طرابلس، قرر الجيش الوطني الليبي تعزيز قواته لغلق المعبر الحدودي مع الجزائر، مُعلناً تحويل المنطقة الحدودية إلى منطقة عسكرية يُحظر التنقل فيها. جاء الرد من المجلس الرئاسي في طرابلس سريعًا، حيث أصدر بيانًا يحظر أي تحركات لقوات حفتر دون أوامر مباشرة من القيادة العسكرية المركزية. هذه الخطوة جاءت في وقت تم فيه الإعلان عن فتح الطريق الساحلي، مما يعكس جهود لتوحيد الفصائل المتناحرة. ومع ذلك، أدى ضغط حفتر إلى إغلاق الطريق مرة أخرى.
بعد يومين، وفي ختام قمة برلين الثانية حول ليبيا في 23 يونيو، أكدت وزيرة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية أن القوات الأجنبية والمرتزقة، سواء كانوا يعملون لصالح روسيا أو تركيا، سيبدأون في الانسحاب من ليبيا بشكل تدريجي. لكن بعد مرور أكثر من شهر، لم يحدث أي انسحاب ولم ينتهِ تفاقم الوضع الأمني، حيث وقعت اشتباكات في بنغازي، مما أدى إلى سقوط خمسة ضحايا، مُسترجعةً ذكريات معركة بنغازي الشهيرة والتي حدثت في عام 2014.
تحديات العملية السياسية في ليبيا تحت قيادة حفتر
على الرغم من الدعم الذي قدمه حفتر لحكومة الوحدة الوطنية في البداية، إلا أن الجيش الوطني الليبي تحت قيادته يواصل تجاهل التنسيق مع القوات التابعة للحكومة في طرابلس. يظهر سلوك حفتر في إغلاق الحدود بين الجزائر وليبيا، الشهر الماضي، كتحذير غير مباشر للحكومة، بالإضافة إلى تركيا وكافة الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، بأنه لا يمكن تجاهله في أي تخطيط سياسي مستقبلي.
توقع حفتر أن يتم تعيينه وزيراً للدفاع بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في يناير، مما كان سيسمح له بقيادة الجيش الوطني الليبي والقوات التابعة للحكومة. إذا تحقق ذلك، لكان انتصاراً كبيراً له ولمؤيديه، خصوصاً الإمارات وفرنسا، على خصومهم مثل تركيا.
أشار عبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، إلى أن حكومته لم تعين وزير دفاع بعد بسبب الضغوط الخارجية. خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، أوضح الدبيبة صعوبة توحيد القوات تحت جيش وطني واحد بسبب وجود “مقاتلين أجانب” يشكلون تهديداً للعملية السياسية ويمسكون بجهود وقف إطلاق النار.
في الأسبوعين الماضيين، تمكن حفتر من كسب دعم البرلمان، مستخدماً إياه للضغط على حكومة الوفاق. خلال اجتماع مع رئيس البرلمان، عقيلة صالح، في 16 يوليو، هدد صالح بعدم اعتماد ميزانية الحكومة إذا لم تشمل بنداً للجيش الوطني الليبي. يشير بعض المراقبين إلى أن حفتر وصالح يخططان لإنشاء حكومة مؤقتة في بنغازي، تعمل بشكل مستقل. إن تحقق ذلك سيكون بمثابة بداية أزمة جديدة تضر بالعملية السياسية في ليبيا.
بينما تستمر الضغوط الدولية لإجراء انتخابات عامة في ديسمبر، يجب التأكيد على ضرورة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة لضمان عدم تزويرها. كما تتطلب الأوضاع في ليبيا إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وهي خطوة ضرورية نحو استعادة الاستقرار. ومع ذلك، لا يوجد ضمان لذلك ما لم تنجح الأطراف المحلية في توحيد صفوفها. إن الدعم الخارجي المقدم للأطراف المختلفة يزيد من تعقيد الصراع.
يتطلب الوضع الحالي في ليبيا إعادة تقييم من قبل المجتمع الدولي. على الأطراف المعنية البحث عن حلول جذرية لجذور الصراع بدلاً من التعامل مع عواقبه فقط. ينبغي دمج قوات حفتر وموارده ضمن الهيكل الرسمي لحكومة الوحدة الوطنية، وإلا ستستمر ليبيا في الدخول في دوامة الصراع والانقسامات.
فهم العلاقة بين الجيش والديمقراطية في مصر
تعتبر العلاقة بين الجيش والديمقراطية في مصر موضوعًا معقدًا يتطلب بحثًا معمقًا، حيث يتداخل التاريخ مع السياسة الحديثة بشكل مستمر.
التاريخ العسكري والسياسي في مصر
على مر العقود، لعب الجيش المصري دورًا محوريًا في السياسة. فقد قام بتأثير كبير على صياغة السياسات الوطنية، مما أثرى النقاشات حول التحول الديمقراطي.
حلقات متصلة من الصراع
تمثل فترة الثورة وتداعياتها تجسيدًا لتحديات تواجه المجتمع المصري، حيث يتصارع المدنيون والعسكريون من أجل تحقيق طموحاتهم السياسية. هذه الديناميكية تستدعي دراسة شاملة لفهم السياقات المختلفة.
التوجهات المستقبلية
إن مستقبل الديمقراطية في مصر يمكن أن يتأثر بشكل كبير بعلاقات السلطة بين الجيش والقوى المدنية. النقاش المستمر حول هذا الموضوع يمكن أن يكون مفيدًا للعديد من الباحثين والمهتمين بالدراسات السياسية.
دعوة للبحث والمناقشة
ندعو الجميع للمشاركة في حوارات حول هذا الموضوع، وذلك من خلال برامج أكاديمية ومناقشات عامة تضفي مزيدًا من الوعي حول التحديات والفرص المتاحة أمام مصر في مسيرتها نحو الديمقراطية.








