
أ.د. غادة محمد عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل ومحاضر – كلية الدفاع الوطني- أكاديمية ناصر العسكرية العليا
في الجزء الأول من هذا المقال، قمت بتفصيل تاريخ إنشاء القوات العسكرية الفضائية. الآن، سنستكشف كيف تم استخدام الأقمار الصناعية في حروب معينة، بالإضافة إلى أحدث التقنيات المعتمدة في مجالات الحروب الفضائية. لفهم قيمة الفضاء في الشؤون العسكرية، دعني أضرب مثلاً: قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان من الضروري على الجيوش السيطرة على الأراضي المرتفعة لتحقيق الانتصار، مثل الجبال والتلال، لأنها تمنحهم ميزة في اكتشاف مواقع العدو. في عصرنا الحالي، تعتبر الفضاء هو هذه الأرض المرتفعة الجديدة، مما يبرز أهمية وجود القوات العسكرية الفضائية.
على سبيل المثال، في عام 1991، استغلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تكنولوجيا الأقمار الصناعية المتقدمة لجمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد الأهداف العراقية خلال حرب الخليج. هذا منح القوات الأمريكية رؤية غير مسبوقة لساحة المعركة، حيث استطاعت متابعة كل تحركات الجيش العراقي. ومع المساحات الصحراوية الشاسعة، أصبحت الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية المورد الأساسي للمعلومات خلال تلك المعركة. كما استخدم الجنود على الأرض نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي يساعدهم في تحديد الاتجاهات بدقة. قامت الأقمار الصناعية بتزويدهم بالإحداثيات الخاصة بمواقعهم، مما منحهم أفضلية استراتيجية في تحديد مراكز تمركزهم.
رغم أن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 تمنع إقامة قواعد عسكرية على القمر أو الكواكب الأخرى، إلا أن الولايات المتحدة ودول عديدة قد شرعت في تطوير نظام دفاع صاروخي فضائي على مدى العقدين الماضيين. الآن، تمتلك العديد من الدول القدرة على إطلاق صواريخ نووية بعيدة المدى. ولتعزيز الدفاع ضد الهجمات النووية المحتملة، اقترح الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في مايو 1983 مبادرة الدفاع الاستراتيجي (SDI)، التي كانت تهدف إلى تصميم أنظمة أسلحة تعتمد على الأقمار الصناعية لإسقاط الصواريخ النووية، بالإضافة إلى تطوير أسلحة الليزر المدارية المستهدفة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
يمكن للصاروخ الباليستي عابر للقارات المُطلق من كوريا الشمالية أن يصل بسهولة إلى وجهات بعيدة مثل هونولولو أو لوس أنجلوس، حيث يتمتع بمدى يصل إلى 6000 ميل (10000 كم). لذلك، تم تصميم أقمار صناعية مثل SDI لمراقبة هذه الصواريخ منذ لحظة إطلاقها والتصدي لها باستخدام الليزر قبل خروجها من المجال الجوي للبلد المُطلق منه.
ترتقي أسلحة الفضاء الحديثة بمفهوم الدفاع إلى مستويات جديدة، حيث تشمل تقنيات الليزر الكيميائي، الحزم الجسيمية، والطائرات الفضائية العسكرية. تعتمد أنظمة “الليزر الكيميائي” على دمج مواد كيميائية مختلفة لإنشاء شعاع ليزر، من أهمها فلوريد الهيدروجين (HF) وفلوريد الديوتيريوم (DF). ومع ذلك، تواجه هذه الأنظمة تحديًا كبيرًا يتمثل في ضرورة إصابتها لأهداف متحركة بسرعة عالية.
لمواجهة هذه التحديات، طورت وزارة الدفاع الأمريكية سلاح “شعاع الجسيمات”، الذي يطلق حزمًا من الجسيمات بدون ذرية تقريبًا بسرعة الضوء، مما يجعله قادرًا على تدمير الأهداف بكفاءة أكبر من أي ليزر تقليدي. أما السلاح الثالث فيعتبر طائرات “الفضاء العسكرية” مثل مشروع X-37 الذي بدأ في عام 1999 بالتعاون مع وكالة ناسا، ثم انتقل إلى وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ليصبح مشروعًا سريًا.
أكملت DARPA المرحلة الأولى من البرنامج في عام 2006، حيث أجرت اختبارات طيران وحمولات، لتطلق فيما بعد طائرة X-37B. أدت السرية المحيطة بهذا المشروع إلى ظهور شائعات حول إمكانية استخدامه كسلاح للفضاء، وقد تكون مهامه مرتبطة بعمليات التقاط أو إتلاف أقمار صناعية للدول الأخرى. حاليًا، يُشغل برنامج X-37B من قبل مكتب القدرات السريعة للقوات الجوية، ويقع التحكم في مهام الرحلات الفضائية في السرب الثالث للتجارب الفضائية بقاعدة شريفر الجوية في كولورادو.
في الختام، سيتجاوز سلاح الفضاء دوره في دعم الجهود العسكرية الأرضية، بل قد يتولى زمام المبادرة في مواقف خطيرة. فإذا تعرضت الأقمار الصناعية للهجوم، يمكن لقائد سلاح الفضاء توجيه الخدمات الأخرى لمهاجمة أهداف أرضية بمهمة إحباط المعتدين من الفضاء. يمكن أيضاً أن يصبح سلاح الفضاء كقوة شرطة مدارية، تحمي الصناعة الفضائية التجارية وتضمن أن جميع الفاعلين القانونيين وغير المعادين يستفيدون بشكل كامل من رحلات الفضاء.








