Register To WDS
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

إيقاعات الصراع الإلكتروني

العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني الأنصاري

في عالمنا الحديث، تتعدد أساليب الحروب وتتنوع الأصوات التي تُشير إليها، لكن الحرب الرقمية تترك آثاراً عميقة تتجاوز الأصوات العالية المعهودة. إذ تختفي المقذوفات والانفجارات، ليحل محلها صمت الطرق على لوحات المفاتيح في الشبكات الإلكترونية، مما يُظهر قوة هائلة قد تُدمّر دولاً في لحظات دون الحاجة إلى مواجهات مادية مكلفة.

نحن هنا لا نتحدث عن الحرب الإلكترونية التقليدية التي تدعم الجيوش بالوسائل مثل الرصد، التجسس، والتشويش. بل نركز على الحرب الرقمية الحديثة التي أصبحت جزءاً من كل جوانب حياتنا، حيث تتجاوز الحدود الوطنية وتنتشر على نطاق عالمي يغير معالم الصراع.

تُعرّف الحرب الرقمية على أنها الإجراءات التي تؤثر سلبًا على نظم المعلومات، وكذلك الدفاع عن تلك الأنظمة باستخدام تقنيات رقمية لإخضاع الآخرين، سواء كان ذلك لأسباب سياسية، عرقية، أو دينية. تشمل هذه العمليات الهجمات النفسية، الخداع العسكري، والشبكات المُعطلة، مما يقلل من قدرة الخصم على الاتصال ويؤثر على اتخاذه للأمور.

اليوم، أصبحت الحرب الرقمية واقعاً ملحوظاً في ساحات المعارك الحقيقية والافتراضية، إذ أكسبت الصراعات طابعاً إعلامياً واقتصادياً فضلاً عن تأثيرها على مجريات الأحداث عالمياً. فعلى الرغم من كل التشابكات، تمتد آثار هذه الحرب إلى القيم والسياسات الدفاعية للدول.

تسعى الدول الكبرى الآن نحو تعزيز قدراتها من خلال إنشاء ترسانات إلكترونية سرية لدعم أي تحرك عسكري مستقبلي. تشمل هذه الترسانات برامج للتعطيل والتخريب، بالإضافة إلى أدوات مقاومة الاعتراضات الإلكترونية. وقد استثمرت روسيا مثلاً ما يقارب 130 مليون دولار سنوياً لتعزيز قدرات الدفاع والهجوم الإلكتروني، مع وجود ترسانة رقمية كبيرة تشمل تقنيات معروفة وأخرى سرية.

بذلك، تضيف الدول جيوشاً رقمية لمواجهة التحديات الحديثة، مُعترفاً بأهمية الحرب الرقمية وتأثيرها العميق. لقد أثبتت الأبنية الرقمية قدرتها على تغيير موازين القوة في العالم المعاصر وتُعد خطوة ضرورية لضمان الاستعداد في مواجهة التهديدات المستقبلية.

تتسم الحروب الرقمية بتعقيدها وأسلحتها المتطورة، حيث يمكن استخدامها لشن هجمات تعطيل خدمات المواقع والتجسس الرقمي باستخدام تقنيات متطورة تشبه الأشباح الرقمية التي تظل غير مرئية للجميع. هذه التهديدات تعرف باسم شبكات البوتنت، وتمثل خطراً كبيراً على الأنظمة الرقمية.

تشتمل الأسلحة الرقمية على:

  • أسلحة كهرومغناطيسية تعمل على تعطيل المعدات وأجهزة الاتصال والشبكات.
  • برامج مزيفة تحتوي على فيروسات تنتشر ذاتياً.
  • أنظمة متقدمة لرصد الثغرات في مواقع العدو الإلكترونية واستغلالها، بالإضافة إلى أنظمة دقيقة للتجسس على الشبكات اللاسلكية المعادية.
  • قنابل رقمية مخفية تنتظر التوقيت المناسب لتدمير الشبكات الأساسية للإلكترونيات.
  • تطوير مجموعات جديدة من فيروسات الكمبيوتر والإعداد لضربات إلكترونية قادمة.
  • مجموعة متقدمة من نظم الاستطلاع الإلكتروني وجمع المعلومات وتحليلها.

كما أن العديد من الدول التي تسعى لتعزيز قدراتها الحربية الإلكترونية لا تعلن عنها، وتفضل عدم استخدامها إلا في الوقت المناسب لتفادي اكتشافها. هناك عناصر وأدوات محددة تجتمع لتؤسس قرار دخول الحرب وإدارتها، مما يستلزم اعتماد استراتيجيات متقنة لتحقيق النصر. ويعتبر توفر الأسلحة والعتاد ضرورة حيوية، فالحرب الرقمية تستدعي تخطيطاً تنظيمياً دقيقاً وتدريباً مستمراً، فضلاً عن ترسانة من الأسلحة الرقمية الفعالة.

الأهداف المحتملة للحرب الرقمية:
في الحروب التقليدية، تستهدف الأسلحة تجمعات القوات المعادية والمراكز الحيوية، لكن في الحروب الرقمية الأهداف تختلف تماماً. تشمل الأهداف كل ما يرتبط بالشبكات الإلكترونية، سواء كانت عسكرية أو مدنية. تتضمن الأهداف المتوقعة وحدات التحكم في الأنظمة المركزية للسلاح، كمراكز الدفاع الجوي وغرف القرارات، إضافة إلى البنية التحتية كالمرافق العامة مثل المياه والكهرباء، مما يلحق أضراراً كبيرة بالدولة.

قواعد الاشتباك الرقمي:
تتعلق قواعد الاشتباك في الحروب التقليدية بكيفية اتخاذ القرار والرد على التهديدات. في الحرب الإلكترونية، لم تُحدد حتى الآن قواعد جامعة للاشتباك، رغم أن بعض الدول قد وضعت استراتيجيات سرية تمهيداً لأي مواجهة محتملة. من الأهمية بمكان أن تضع الدول مبادئ أساسية قواعد الاشتباك الرقمية، لتكون جاهزة للتصرف السريع عند الحاجة. يجب أن تتناول هذه القواعد تساؤلات هامة لتوجيه سياسات الرد، مثل تحديد ما إذا كانت الهجمات الإلكترونية تمثل تهديداً حقيقياً أم مجرد محاولات قرصنة عادية، وتحديد حدود السيادة الوطنية في هذا السياق.

ما هو نطاق وحجم الهجوم الالكتروني وأهدافه؟

هل من الممكن أن يتسبب هذا الهجوم في خسائر في الأرواح والممتلكات؟ هناك عدة طرق للتعامل مع مثل هذه الهجمات:

  • الرد الدبلوماسي: إذا كان الهجوم مدعومًا من حكومة خارجية.
  • رد الكتروني: يستهدف تدمير الأنظمة التي تتحكم بالهجوم.
  • الرد العسكري: في حال كانت احتمالية خسارة الأرواح قائمة.

تنسيق العمليات الأمنية

كيف يتم التنسيق بين الأجهزة المسؤولة عن الرد، مثل أجهزة المخابرات وقوات الدفاع الإلكتروني؟ يجب عليهم العمل معًا لتنفيذ عمليات الهجوم أو الدفاع الرقمي وتقييم فعالية تلك العمليات.

تحديد مصدر الهجوم

* أهمية تحديد المصدر: يُعد التعرف على جنسية العدو ومصدر الهجوم الإلكتروني أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول اليوم. الهجوم قد ينطلق من دول صديقة لكن تحت توجيه جهات معادية، مما يُسفر عن موقف معقد.

قد يتمكن الأعداء من اختراق مواقع لدول صديقة وتوجيه الاتهام لها، في حين أن الحقيقة قد تكون عكس ذلك. لذا، يبقى السؤال الأهم هو: من هو العدو الإلكتروني؟ وكيف يمكن ردعه بشكل صحيح؟

التحديات في تحديد المصدر

ترجع إشكالية تحديد مصدر الهجوم إلى عدة نقاط رئيسية:

  1. الهجوم الإلكتروني لا يحتاج إلى جغرافيا محددة للإطلاق؛ فبفضل الإنترنت، الحدود غير واضحة.
  2. توجد صعوبة في كشف مصادر الهجوم بفعالية، ولايوجد نظام مماثل للرادار المستخدم في الحروب التقليدية.
  3. البروتوكولات المستخدمة في الإنترنت عرضة للاختراق، حيث يمكن للمشغلين المدربين التلاعب بالبيانات لإخفاء مصدر الهجوم.

تأثير الضربات الإلكترونية

تعتبر الضربات الإلكترونية المؤلمة هي تلك التي تعتمد على العملاء المزروعين في الداخل لفتح بوابات خلفية. مثال على ذلك هو ما حدث في لبنان عندما تمكن بعض الموظفين في شركة اتصالات من تمكين العدو من السيطرة على الشبكة واستغلالها.

مقارنة بين الأسلحة التقليدية والرقمية

يجب تصنيف الدول حسب استخدامها للتقنيات الرقمية الجديدة في خدماتها. يُعد ذلك عاملاً حيويًا لتكامل الخدمات وكسب ثقة الآخرين. كما يتطلب الأمر وضع خطط شاملة للدفاع الإلكتروني لحماية الوطن من أي هجوم قد يؤثر على الخدمات ويخلق حالة من الذعر.

التطور الرقمي وأثره على الحروب الإلكترونية

مع تقدم المعرفة بتكنولوجيا المعلومات من قبل الدول والمنظمات الإرهابية، تزداد صعوبة السيطرة على الهجمات الإلكترونية. العالم الآن يستعد لحرب رقمية غير مرئية، مما يتطلب استراتيجيات وطنية فعالة للدفاع.

دعوات للسلم والإعمار

لضمان سلامة جيوشنا، يجب تقدير الموقف والاستفادة من القدرات المتاحة. يجب أن نرفع شعار “لا للحرب والدمار بل للسلم والإعمار”.

المراجع:

  1. الحرب الالكترونية – الإشتباك في عالم المعلومات للدكتور عباس بدران.
  2. الحرب الإلكترونية… صعوبة تحديد قواعد الاشتباك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى