
أ.د. غادة عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل ومحاضر – كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
في سبتمبر عام 2020، أصدرت لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) نتائج مراجعة استمرت لمدة عام. شارك في هذا العمل جميع الأحزاب، بما في ذلك الحزب الجمهوري والديمقراطي. هدف التقرير، الذي حمل عنوان “مستقبل الدفاع” ويتكون من 87 صفحة، هو تقييم التهديدات والقدرات العسكرية الأمريكية. ومن بين النتائج، تم تأكيد أن الصين وروسيا هما التهديدان الأمنيان الرئيسيان للولايات المتحدة، بالإضافة إلى الإشارة إلى نتائج حرجة تتطلب الانتباه، مثل التطور التدريجي في التكنولوجيا.
التقرير حذر بشدة من النمو السريع في تكنولوجيا التعلم الآلي واستقلالية الآلات. وقد أوصى وزارة الدفاع بتقييم الذكاء الاصطناعي أو البدائل المستقلة قبل تنفيذ أي عمليات دفاعية مستقبلية. كما دعا التقرير الجيش إلى التعامل مع هذه التكنولوجيا كسلاح جديد يغير قواعد اللعبة، مع ضرورة وضع قواعد واضحة لتوجيه استخدامها وتطوير حواجز حماية للأنشطة العسكرية.
التقرير يوضح أن الولايات المتحدة تسابق الزمن لتعزيز أدوات التكنولوجيا الفائقة، مثلما اعتادت دائماً، لتبقى في صدارة القوى العالمية. وأكد التقرير أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تحدد مصير الهيمنة في المستقبل. كما أشار إلى أن الصين حددت هدفها العلني لتصبح القوة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأمريكي والعالمي.
بدأت الدعوات لإنشاء مشروع لتطوير الذكاء الاصطناعي العميق بشكل شبيه بمشروع مانهاتن منذ عام 2018. في ذلك العام، أعلنت وكالة الأبحاث الدفاعية الأمريكية (داربا) خلال مؤتمر الدفاع عن استثمار قدره 2 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي على مدى خمس سنوات. مشروع مانهاتن، الذي نفذ من عام 1942 إلى 1947، جمع العديد من كبار علماء الفيزياء والرياضيات تحت قيادة الولايات المتحدة لتطوير قنبلة نووية واختبارها، بهدف ضمان عدم وقوعها في الأيدي الخطأ خلال الحرب العالمية الثانية.
حققت القنبلة الذرية نجاحًا ملحوظًا في تحقيق أهداف مشروع مانهاتن، حيث استخدمت بشكل خاص لإنهاء الحرب. ولكن، كما أثبت التاريخ، ساهمت هذه الفكرة في نشر الفوضى، وكانت حافزًا لبداية الحرب الباردة التي أدت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي ودمار اليابان بهجمات هيروشيما وناغازاكي في ختام الحرب العالمية الثانية. وقد عبر ألبرت أينشتاين، أحد المساهمين الرئيسيين في هذا المشروع، عن أسفه لاحقًا للمساهمة في تطوير سلاح بهذا القدر من القوة.
أكد تقرير “مستقبل الدفاع” على ضرورة تسريع تنفيذ مشروع مانهاتن للذكاء الاصطناعي العسكري. يتوجب على الولايات المتحدة الالتزام بالريادة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير وتوزيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مع وضع معايير صارمة للاستخدام في القطاعات الخاصة والعامة، بجانب القطاعات المدنية والعسكرية. وطالب التقرير الكونغرس ووزارة الدفاع باتخاذ خطوات فعالة لتخطي العديد من العقبات، مثل مقاومة تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأوساط الثقافية والعسكرية. على الرغم من زيادة استثمارات وزارة الدفاع في الذكاء الاصطناعي وتأسيس مركز مشترك لهذا الغرض، إلا أن ثقافة المقاومة لا تزال تؤثر على سرعة نشر تلك التكنولوجيا عبر كل القطاعات. كما أوصى التقرير بالتحقيق في البدائل المستقلة للعمليات الجديدة للاقتناء من وزارة الدفاع.
تدعو الوثيقة أيضًا البنتاغون للتأكد من أن جميع المشتريات العسكرية الجديدة تتماشى مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وقابلة للاندماج مع شبكات القيادة والتحكم. كما حثّت وزارة الدفاع على منح صلاحيات أكبر لترخيص وتقييم التكنولوجيا المتطورة عالمياً، التي قد تعين على تحقيق أهداف عسكرية بشكل أفضل وتكلفة أقل. واشتُرط أن تلتزم جميع القطاعات العسكرية بإنفاق ما لا يقل عن 1% من ميزانياتها الحالية على دمج التكنولوجيا الجديدة، ومنح الأولوية للتقنيات المستقلة التي تدعم الابتكار المحلي.
في الاتجاه الآخر، طالبت الوثيقة الولايات المتحدة بأن تقود الجهود لصياغة معاهدة دولية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في كلا المجالين المدني والعسكري. وأشارت إلى ضرورة أن تكون هذه المعاهدة مرتبطة باتفاقيات جنيف واتفاقية الأسلحة الكيميائية، وكذلك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مما يستدعي توقيعها من قبل كافة الدول التي تعتزم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة الفائق، في أي مجال. كما نوهت الوثيقة بوجوب تحديث وزارة الدفاع لسياساتها المتعلقة بالأفراد والبنية التحتية، وضرورة جذب مواهب جديدة عبر تقديم حوافز مناسبة وبرامج خدمة مدفوعة الأجر للعاملين في مجال التكنولوجيا.
يعتبر مشروع مانهاتن للذكاء الاصطناعي العسكري نموذجًا يستدعي التطبيق في كافة الدول العربية لضمان الأمن القومي. على الرغم من سهولة تنفيذ مثل هذا المشروع، إلا أنه يتطلب تخطيطًا دقيقًا لتجاوز العقبات المرتبطة بمقاومة التكنولوجيا في معظم القطاعات، حتى في القطاع الخاص، لبناء مواطن قادر على التكيف وإبداع التكنولوجيا الحديثة. إن وجود فرد مدرب يتسم بالمرونة في استخدام التكنولوجيا، هو ما يضمن تفوقًا حقيقيًا في مواجهة أي تهديدات مستقبلية.








