Register To WDS
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاريمقالات رأي

أسرة سكود: تراث متألق في عالم السرعة

العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري

تعتبر صواريخ سكود المعروفة عالميًا من أبرز الصواريخ البالستية الروسية التي كان لها تأثير كبير في العديد من الحروب والصراعات الإقليمية. ومن المعروف أنها تُعرف أيضًا باسم Elbrus، وقد أطلق عليها اسم سكود من قبل خبراء حلف الناتو، حيث تمثل منظومة صواريخ R-17 السوفيتية. وعلى الرغم من مرور أكثر من خمسين عامًا على ظهورها، إلا أن هذه الصواريخ لا تزال تحظى بشهرة كبيرة في جيوش الدول الحليفة للسوفيت السابق، وذلك بفضل تطورها وكفاءتها العالية.

تعتبر الصواريخ البالستية الوسيلة الرئيسية التي تعتمد عليها الدول للردع العسكري، حيث تمتلك قدرات تدميرية هائلة وتستطيع الوصول للأهداف البعيدة بتكلفة أقل. كما يمكن أن تحمل أنواعًا متنوعًة من الرؤوس الحربية، بما في ذلك الرؤوس النووية والكيميائية والبيولوجية.

الصاروخ البالستي هو ذلك الصاروخ الذي يسلك مسار طيران خارج الغلاف الجوي ثم يعود مجددًا لاستهداف أهدافه، مما يتيح له تحقيق أقصى مدى مع أقل كمية من الوقود. هذه الخصائص تجعله مناسبًا لمهام متعددة، مثل إرسال أقمار صناعية أو الأغراض الدفاعية والردعية.

تشمل مجموعة صواريخ R-17 عدة آليات تدعم عملية التحميل والإطلاق. يحتاج هذا النوع من الصواريخ إلى زمن يقارب الساعة أو أقل، يُنفق خلالها الكثير من الجهود الفنية المتخصصة في تجهيزها للإطلاق بنجاح.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تمت إزالة منظومات صواريخ R-17 من الخدمة بفضل جهود دول الناتو، نظرًا لانتهاء مدة تشغيلها وضغوط الدول الغربية. ومع ذلك، لا تزال بعض الدول تحتفظ بها كجزء من ترسانتها العسكرية، كونها واحدة من أقدم أنظمة الصواريخ التكتيكية في العالم.

تطوير منظومة صواريخ آر 17:

تم تقديم صاروخ سكود للعلن لأول مرة في عام 1962 على هيكل دبابة روسية من طراز أي س.3، حيث أطلق عليه الاسم 8k11. وفي عام 1965، تم عرض النسخ الجديدة من صواريخ سكود بي تحت اسم آر17 خلال عرض عسكري. هذه النسخ تمتاز بقواعد إطلاق متحركة أكثر تطوراً، مما يتيح لها المرونة وسرعة الانتقال وكذلك القدرة على استهداف أهداف متعددة في زمن قياسي.

تستخدم صواريخ سكود نوعًا من الوقود السائل، مما يجعلها من أفضل الخيارات للصواريخ البالستية. يتميز هذا الوقود بقدرته الكبيرة على توليد الطاقة، مما يؤدي إلى انتاج قوة دفع هائلة.

خلال فترة الحرب الباردة، قام الاتحاد السوفيتي السابق بتطوير عدة أجيال من صواريخ سكود، حيث ظهرت النماذج SS-1 Scud-A-B-C-D. كان النموذج الأول “سكود A” مستندًا إلى تصميم الصاروخ الألماني (V-2) ويصل مداه إلى 270 كيلومتر، مما يمنح القدرة على استهداف مناطق واسعة في أوروبا برؤوس نووية.

توالت عمليات البحث والتطوير على هذه المنظومة، حتى تم عرض النسخة الأكثر نجاحًا “سكود B”، والتي تم استخدامها بشكل واسع من قبل عدد من الدول الحليفة للاتحاد السوفيتي. تم بعد ذلك تعزيز هذه المنظومة بنموذج “سكود C”، الذي نال العديد من التحديثات، بما في ذلك تحسين نظام التوجيه وزيادة المدى ورفع حمولة الرأس الحربي.

مع الحاجة المعتادة لتلبية التطورات التقنية ومتطلبات القوات الميدانية، أجرت الجيوش المالكة لتلك الصواريخ تعديلات مكثفة. كانت مصر من رواد تطوير هذه المنظومة بالتعاون مع الأرجنتين، حيث طورت صواريخ سكود ب، وس، ود، تحت اسم “بدر 2000″، مع تقارير تفيد بأن كوريا الشمالية قامت بنقل المشروع المصري لتطوير نسخة محلية بعد توقف العمل معه.

تعتبر كوريا الشمالية واحدة من أبرز الدول التي قامت بتطوير صواريخ سكود، معتمدًا على طراز سكود D، حيث طورت نموذج “رودونغ” بأداء متفوق يجعله قادرًا على الوصول لأهداف بعيدة وحمل رؤوس حربية كيماوية. عززت كوريا الشمالية قدراتها عبر تحديث صواريخها لتصل إلى مدى 500 كيلومتر. كذلك حصلت إيران على صواريخ سكود معدلة وأنتجت صواريخها المحلية من سلسلة “شهاب”، مما جعلها ركيزة أساسية لقوتها الصاروخية. وفي الوقت ذاته، قامت باكستان بتطوير صواريخها تحت مسمى “غوري”.

أنواع صواريخ سكود:

1. سكود Scud B:
يعتبر سكود “ب” النسخة المعدلة من سكود A، وتم تقديمه في 1962، حيث يمتاز بمدى يصل إلى 300 كم. نسبة الخطأ في إصابته للأهداف تبلغ 450 متر، بينما يصل طوله إلى 11.25 متر وقطره إلى 0.88 متر. وزنه قبل الإطلاق يبلغ حوالي 5900 كجم. يمكن تجهيزه برؤوس قتالية متنوعة بما في ذلك النووية والكيميائية، ويمتلك نظام توجيه يعتمد على القصور الذاتي. تم نشر هذه المنظومة في عام 1965 ولا تزال في الخدمة بعدد من جيوش العالم.

2. سكود Scud C:
أما سكود “C” فهو النسخة المحسنة من سكود “ب” مع تحسن في الوزن ليصل إلى 6400 كجم. ورغم عدم وجود تغييرات كبيرة في الأبعاد، إلا أنه تم إجراء العديد من التحديثات لتحسين الأداء العام.

تعتبر التطورات والتحديثات على خصائص الصواريخ أمراً بالغ الأهمية، حيث حققت بإحدى تلك التحسينات زيادة في المدى العملياتي ليصل إلى 550 كلم، مع القدرة على حمل حمولة تصل حتى 600 كجم في الرأس القتالي. كما أن دقة الإصابة بلغت نحو 700 متر. من الجدير بالذكر أن صاروخ سكود سي لم يُصمم لحمل رؤوس نووية كما هو الحال مع الطراز الأقدم، بل تم تطويره ليكون قادراً على حمل رؤوس حربية شديدة الانفجار، التي تُستخدم بشكل خاص في العمليات التكتيكية. هذه الرؤوس قادرة على إلحاق ضرر كبير بالمنشآت والأفراد، خصوصاً عند استخدامها في ضربات صاروخية مجمعة عبر إطلاق عدة صواريخ في الوقت نفسه.

3. “سكود Scud D”:

يبدي الصاروخ “سكود د” تنميقاً وتحديثاً أكبر من نسخ سابقة، حيث تغير شكله وزاد طوله ليصل إلى 12.29 متر مع تقليص الوزن ليصبح 6,500 كجم عند الإطلاق. كما زادت حمولة الرأس القتالي إلى 985 كجم، بينما بقي مداه عند 300 كلم مع دقة إصابة تصل إلى 50 متر. يعتقد أن مستوى الدقة هذا، الذي تحقق بفضل نظام التوجيه بالقصور الذاتي، يعتبر من أبرز الميزات الفنية لهذا الصاروخ، حيث يمزج بين نظام مقاربة الهدف والمطابقة بالمشهد الرقمي المخزن. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير الرؤوس القتالية الخاصة به لتشمل أنواعًا مختلفة من الشديدة الانفجار إلى الكيميائية وحتى النووية. بشكل عام، هذه الخصائص تجعل سكود فعّالة في ساحة المعركة، وقدرتها على استهداف الأهداف الفردية الصغيرة والمعالم الحيوية الكبرى، مثل مراكز القيادة والسيطرة.

بدأت اختبارات الطيران لصاروخ “سكود د” في عام 1979 وانتهت بنجاح في عام 1989. ومع ذلك، يعتقد أنه لم يدخل الخدمة الفعلية في الجيش الروسي.

تصنيف صواريخ سكود:

تستخدم صواريخ سكود الباليستية في العديد من الدول حول العالم، حيث تم تصدير أعداد كبيرة من نماذجه المتنوعة إلى طيف واسع من الجيوش، بما في ذلك أفغانستان، وأذربيجان، وبيلاروسيا، وعدد من الدول الأخرى مثل مصر وإيران والعراق. يختلف التنظيم القتالي لوحدات الصواريخ بين الدول حسب عدد الصواريخ، وأيضًا يتباين تصنيف استخدامه وفقًا للسياسة الدفاعية للدولة المالكة. حيث يُستخدم الصاروخ التعبوي لزيادة القوة الهجومية للقوات المسلحة، بينما يُعتبر الاستراتيجي إذا أمكنه الضرب هدفًا خارج حدود البلاد. تقليديًا، تُصنف منظومة صواريخ سكود ضمن فئة الصواريخ التعبوية متوسطة المدى، حيث يصل مداها إلى أكثر من 300 كلم وتحمل رؤوساً متفجرة تبلغ حوالي 950 كجم من المتفجرات التقليدية، مع زيادة المدى في النسخ الحديثة.

نظم توجيه صواريخ سكود:

يعتمد صاروخ سكود على نظام التوجيه بالقصور الذاتي، الذي يعتبر طريقة متطورة لتوجيه الصواريخ. ويتميز القصور الذاتي بقدرته على الحفاظ على مسار الأجسام المتحركة ومقاومة أي قوة خارجية. يعتمد هذا النظام على مجموعة من الجيروسكوبات الدقيقة التي تقيس الانحرافات وزوايا الإزاحة، وتحويل هذه المعلومات إلى إشارات كهربائية تُخزن في حاسبة التوجيه الآلية بالصاروخ. هذا النظام يسمح بتعديل مسار الطيران إذا لزم الأمر، ويتميز بإمكانية توجيهه بدقة دون التأثر بعوامل خارجية، مما جعل صواريخ باتريوت تعجز عن التصدي لصواريخ سكود خلال حرب الخليج الأولى.

تتمتع صواريخ سكود بسرعة عالية تصل إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت ومدة طيران تتراوح حوالي 313 ثانية، مما يعزز فعاليتها في الحروب الحديثة.

تاريخ الإستخدام القتالي لصواريخ سكود:

تُستخدم صواريخ سكود بشكل فعّال لتدمير القوات المعادية من خلال توجيه ضربات دقيقة، حيث يمكن إطلاق صاروخ واحد على هدف موحد أو توجيه عدة صواريخ لهدف واحد أو مجموعة من الأهداف. هذا النوع من الهجمات يعد استراتيجياً لتحقيق تفوّق عسكري من خلال استهداف وحدات المشاة الميكانيكية، مراكز القيادة، وكذلك المطارات والقواعد العسكرية، مما يُعزز من فعالية عمليات الهجوم.

تمتاز صواريخ سكود بأنها واحدة من أقوى الأسلحة في الترسانة العسكرية، حيث إن امتلاكها يعكس قدرات الدول الدفاعية. تاريخياً، حققت هذه الصواريخ نجاحاً بارزاً في الحرب العراقية الإيرانية خلال الثمانينات، مما ساهم في إنهاء النزاع. كما لعبت دوراً محورياً في حرب الخليج عام 1991، حيث تسببت صواريخ الحسين والعباس في إحدى أكثر اللحظات الدراماتيكية ضد إسرائيل، إذ تمكنت حتى من الوصول إلى تل أبيب رغم محاولات الدفاع.

خلال حرب أكتوبر عام 1973، استخدمت وحدات الجيش المصري صواريخ سكود في استراتيجيات هجومية، مُوكلةً إليها مهمة توجيه ضربات قاسية لأهداف استراتيجية إسرائيلية. كما استخدمها الجنود الإيرانيون والعراقيون ضد بعضهم في صراعاتهم، مما ساهم في تغيير موازين القوى في تلك الحقبة.

خلال الحروب في أفغانستان، أظهر سكود فعاليتها أيضاً، حيث استُخدمت ضد القوات السوفياتية. في عام 1986، نفذت القوات الليبية ضربة ضد قاعدة اتصالات تابعة للأسطول السادس في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وفي حرب الخليج الأولى، لعبت صواريخ سكود دورًا مؤثرًا في الهجمات على العدو الصهيوني مما أظهر قوتها في العديد من السياقات القادمة.

اليوم، وبعد أكثر من خمسين عامًا على ظهورها، لا تزال صواريخ سكود تُستخدم في عروض عسكرية، مما يدل على استمرار أهميتها. تعد هذه الصواريخ دليلاً على التطور العسكري والتقني، حيث ما زالت تُشكل جزءًا حيويًا من القوائم العسكرية في العديد من الدول، بما في ذلك سوريا واليمن حيث تُستخدم حالياً من قبل قوات الحوثيين.

  1. كيلوطن: هي وحدة تستخدم لقياس الطاقة، حيث تعادل الكمية الناتجة عن انفجار مادة TNT، وتسجل ما يعادل 4.184 تيراجولمستر (TJ) وتُستخدم لقياس قوة الانفجارات النووية.
العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري

باحث ليبي في الشؤون الدفاعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى