
مسار عبد المحسن راضي
تعيش الأحداث في سوريا تحت أضواء إعلامية متقلبة، مما يجعل المتابعين يتنقلون بين قنوات الأخبار بلا استقرار. فنظرة واحدة على دمشق تظهر انتصاراتها، ولكن سرعان ما تنتشر الأنباء بعكس ذلك. ببساطة، ما تُحرزهُ على الأرض يُفقد في ساحة الإعلام.
الحقيقة حول سوريا تشبه طائر الديك الرومي بلا عيد؛ ففي العالم العربي، يُعتبر الأمر فناً سحرياً، حيث يسعى الكبار للاستفادة منه، وكلما تناولوا منه، زاد حجمهم.
فهم الأحداث في سوريا، كما في المنطقة العربية بشكل عام، يعاني من تقاليد قديمة في مكاتب التحرير العالمية. هذه المكاتب تفتقر دوماً إلى مستويات عالية من “الكتابة التفسيرية”، مما يجعل الأخبار العربية تبدو غامضة في أعين الأجانب. في ستينيات القرن الماضي، أكد رئيس تحرير أجنبي في تقرير لمعهد الصحافة الدولي في زيوريخ: “إن الكتابة التفسيرية ضرورية لفهم الأخبار الشرقية”. وأوضح أن غياب هذا التفسير يجعل أخبار الشرق الأوسط محاطة بجوٍ غامض.
الرِقابة: لقاح الإرهاب وحقوق الإنسان
تضمن التقرير كلمات من مراسل أمريكي تشير إلى أن سمعة الرقابة الحكومية على الصحافة في الشرق الأوسط قد سُرِقَت من قبل “عم سام” حيث قال: “لا توجد قيود على الصحافة في الشرق الأوسط، بل هي مُمارسات قائمة في أمريكا فقط”.
كيف تعمل الرقابة الأمريكية اليوم؟
تتمثل هذه الرقابة في الترجمة، لكنها ليست حرفية أو إبداعية بل تهدف عبر كل تلاعب بالكلمات إلى دعم سياساتها. مثلاً، يُشير ماتيو قيدير إلى أن العراق يصبح أحيانًا غير قابل للترجمة بسبب تعقيد مفاهيمه الثقافية. الكلمات تُعيد تعريفها حسب مصالح هذه الحرب، مما يفقد الوعي بإدراكها الأصلي.
أما الإرهاب، الذي يُصوَّر على أنه مصطلح غامض، فهو يُعتبر مجرد لقاح “جيو-استراتيجي” استخدمته الإعلاميات، الشرقية والغربية، لتجنب الوعي بالحقيقة بعد أحداث 11 سبتمبر.
يرى محمد حسنين هيكل أن استخدام هذا اللقاح يتم بشكل انتقائي، مستهدفًا التشهير والابتزاز بدلاً من تقديم تحذيرات حقيقية.
نعامات أسانجي تغمر الوعي العربي على الإنترنت
نُسب إلى جون نيغروبونتي لقب السفير النعامة، بسبب عدم استماعه أو رؤيته أو تحدثه. وقد كان أول أسانجي بمعنى أنه تمكن عام 2006 من تغيير رؤى مجلس الشيوخ الأمريكي بخصوص استخدام ملفات “TOP SECRET”، مما أتاح له دفن “ملايين الصفحات” من المعلومات الصحفية في أعماق الإنترنت.
موهبة النعامة أسانج تكمن في قدرتها على الإقناع، لكن قيدير يعتبر موقف الكونغرس حملة دعائية تهدف لإشغال العامة، خاصة المواطنين الأمريكيين من أصول عربية، عن الحقائق الأساسية.
تُعتبر الوثائق غير ذات القيمة وسيلة لكسب الوقت في سياق استمرار الحرب في العراق، وقد تمتد تداعياتها إلى دول أخرى مثل سوريا وإيران.
نستنتج من هذا السيناريو أن الإرهاب، الرقابة، والأحداث المتعلقة بجوليان أسانج تُشكل مثلث برمودا في الإعلام، مما يغرق الحقيقة.
السؤال: كيف تتمكن الرقابة الأمريكية من التأثير على وعي المشاهد العربي؟
تجربة مركز “MEMRI” الإسرائيلي تُعَد نموذجًا ناجحًا في توجيه الإعلام العربي. استطاعت “العين التي تُراقب كل شيء” أن تعكس الوعي الغربي تجاه الشرق الأوسط، حيث صُور الكيان كفيل كبير يتقدم بالديمقراطية في مواجهة الديكتاتوريات العربية.
تتجلى جائزة الأحلام الإسرائيلية في تأثيرها على الإعلام العربي، من خلال مكافحة السامية، ما أدى إلى إيقاف بعض البرامج وإلغاء البث عبر الأقمار الصناعية.
نجاح “MEMRI” لم يكن ليحدث لولا أن وسائل الإعلام العربية، بدافع نزاعها مع طهران، قامت بعملية تطهير مذهبي لبرامجها وطواقمها. سوريا تُركت غارقة في بحور الإعلام الأطلسي، دون أي دعم عربي.
الحرب الإعلامية الأمريكية ضد سوريا ساهمت في دعم “MEMRI”، فازدادت ارتباطاتها بالصناديق الأمريكية التي تعتمد على المحافظين الجدد.
تطهير الحقيقة في سوريا عبر وسائل الإعلام
بفضل الإنترنت وامتدادات النفوذ الأمريكي، أصبحت واشنطن غير قادرة على تقليل جودة المحتوى الإعلامي، مما جعل من الضروري استنساخ نموذج “MEMRI” في سوريا. كما قال أحد المحللين: “الوضع يسير نحو صدام حضارات”.
سبق هيكل هذا التحليل في تقييم آثار الإعلام العربي لدى المرفأ الأمريكي، محذرًا من عواقب تخلّي العرب عن تصرفاتهم تجاه الأحداث.
تعمل الإعلام الأمريكية في سوريا بشكل سري، مستخدمة تقنيات متعددة تشمل النصوص، الصوت، والصور المتحركة، وتستخدم منصات مثل يوتيوب لبث المواد ذات الجودة العالية.
هذه المنصات الإعلامية تُشبه المضاربين في البورصات، حيث تهدف إلى توزيع المخاطر على المستثمرين في المعرفة.
الهدف من تلك الوسائل الإعلامية هو التأثير على الوعي العربي، وتوجيهه نحو فهم منطقي للأحداث، مما قد يدفعه في النهاية إلى اتخاذ قرارات معينة.
من المثير للاهتمام أن إحدى هذه القنوات الإخبارية، شبكة شام الإخبارية، انطلقت قبل ثلاثة أسابيع من بداية الحرب العالمية في سوريا.
تُعتبر شام نفسها موردًا رئيسيًا للأخبار، حيث تخضع لقوانين ولاية ميشيغان، وتقدم خدمات إعلامية قد لا يتجرأ الإعلام العربي على توفيرها، إذ تجعل الإعلاميين يبدون كـ”ضباط استخبارات” بدلاً من خبراء إعلام.
حسب المعلومات المتاحة، تُشير شام إلى تورط أحد عمالقتها الرقميين في سوريا، مما يعكس الترابط بين الإعلام المحلي والشركات الكبرى.
ما تفتقر إليه وسائل الإعلام “الأمريسورية” هو القدرة على حجز مساحة للتعبير عن وجهات نظر الطرف الرسمي السوري، وهو ما قد يفتح مجالًا للمسؤولية القانونية لاحقًا.
المثال المبين لفقدان تلك القاعدة هو منصة “STEPAGENCY” التي أُسست في 21 يونيو 2014، والتي عُرفت بارتباطها بالأنشطة المريبة.
تعتبر الأفلام الوثائقية والتقارير المصورة ذات الجودة العالية أدوات إعلامية تسلّط الضوء على القضايا الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط. يقدم “رماية” محتوى متنوعًا عبر منصة يوتيوب، مع التركيز على النظم العربية المستهدفة.
استطاع هذا الموقع توظيف منتجاته، التي غالباً ما تكون تحت الخمس دقائق، في تحويل أيٍ من الأنظمة المستهدفة إلى مقاطع دعائية تُظهر العيوب بدلاً من المزايا، بطريقة مشوقة وجذابة.
تتجلى تساؤلات هامة حول كيفية اكتساب هذه الحرب الإعلامية على سوريا شرعيتها، وكيف تدعم الجهات المسؤولة عنها استمرار التمويل رغم تعقيدات التشريعات الأمريكية.
يستخدم القائمون على وسائل الإعلام ما يعرف بـ “المنظمات الخيرية” كوسيلة للوصول إلى دافعي الضرائب الأمريكيين، مُتخذين من الشركات التي تمتلكها مدخلًا لتخفيف المسؤوليات القانونية.
يلعب قانون الإيرادات الداخلية الأمريكية، وخاصة المادة 501(C)(3)، دوراً كبيراً في تشجيع هذه الأنواع من المشاريع الإعلامية، مما يتيح لها الاستفادة من الإعفاءات الضريبية. مواقع مثل “عنب بلدي” و”الحل” تعتبر أمثلة حية لهذا النموذج.
يساهم القانون B1 A VI 170 أيضًا في توفير وجبات تمويلية مثالية لهذا النوع من الإعلام الحربي، مما يعزز قدرتها على تلقي الدعم من الميزانية العامة والجمهور، بالإضافة إلى المساهمات من المنظمات الخيرية.
تُسمح لهذه الوسائل الإعلامية بأداء أدوار الضغط، لكن بنسبة محدودة لضمان بقاء التمويل. على سبيل المثال، “موقع عنب بلدي” يُنمي الفهم الدولي.
ومن اللافت أن بعض الشركات المالكة لهذه الوسائل الإعلامية تتبنى تشريعات صحفية أمريكية كجزء من هويتها، كما يتضح في “موقع الحل”.
في الختام، لقد قمت بإرسال العديد من المراسلات عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لكل المنصات الإعلامية المذكورة في المقال، وذلك لنقل وجهات نظرهم. ولم أتلق أي رد من “أمازون”، كما لم يجيب البيت الأبيض على سؤال واحد قدمته عبر موقعه الرسمي بشأن تفويضه لهذه الأحداث.
المصادر:








