Register To WDS
أ.د. غادة محمد عامرمقالات رأي

ابتكارات التكنولوجيا وتأثيرها على الأمن القومي الأمريكي

أ.د. غادة عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث جامعة بنها
زميل ومحاضر كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية

في أبريل الماضي، عقد مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع حول “قانون الحدود اللامتناهية” في مسعى لتسريع الموافقة على مشروع القانون. في حال تمريره، سيكون بمثابة إحداث تغيير كبير في نظام الابتكار العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة. سيخصص هذا المشروع أكثر من 112 مليار دولار خلال خمس سنوات لدعم أنشطة البحث والتسويق في مجال التكنولوجيا المتقدمة عبر مؤسسة العلوم الوطنية (NSF). سيقدم هذا الاقتراح مجموعة متنوعة من الأدوات لدعم الاقتصاد المحلي للابتكار.

سيتم تخويل مؤسسة العلوم الوطنية لدعم مراكز التكنولوجيا العامة والخاصة، وتمويل فرص التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لمختلف مستويات التعليم العالي، بالإضافة إلى تسهيل نقل التكنولوجيا. ستركز الجهود على 10 مجالات تقنية شاملة مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، التكنولوجيا الحيوية، الأمن السيبراني، البطاريات، علوم المواد، فضلاً عن الشبكات الحديثة وتقنيات الفضاء. نص مشروع القانون S.1260 من الكونغرس 117 (2021-2022) يتناول “إنشاء مديرية جديدة للتكنولوجيا والابتكار ضمن المؤسسة الوطنية للعلوم، وتأسيس برنامج مركزي إقليمي للتكنولوجيا، ووضع استراتيجية لتقوية الأمن الاقتصادي، والبحث، والابتكار، والتصنيع، وخلق الفرص الوظيفية، بالإضافة إلى تأسيس برنامج لإمدادات وسلاسل التوريد التكنولوجية.” يبدو أن هناك دعمًا ملحوظًا من داخل الكونغرس لتمرير هذا التشريع خلال العام الحالي، حيث يشدد مؤيدو القانون على أهمية تعزيز القدرة التنافسية العالمية التكنولوجية لأمريكا.

إن من الضروري أن تولي الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًا لحماية وتعزيز صناعة التكنولوجيا المتقدمة، باعتبار ذلك ضمانًا أساسيًا لأمنها القومي. كما يتعين عليها ضمان قدرة الشركات الأمريكية على الابتكار والتطور بدون قيود، وتحقيق السيطرة على المعرفة التكنولوجية لضمان أمنها القومي.

لن تكون القصة حول اهتمام الولايات المتحدة بالتكنولوجيا المتقدمة جديدة؛ فقد تم إطلاق منظمة لدعم الابتكار في أواخر الحرب العالمية الثانية. رغم التحديات وصعوبة قياس مخرجات تلك المنظمة، إلا أن فوائدها للاقتصاد الأمريكي كانت أكبر بكثير مما كان متوقعًا. إن بروز أمريكا كمهيمنة على الأسواق والتكنولوجيا في العالم ليس مجرد نتيجة لتجارة حرة، بل هو نتيجة لاستراتيجيات دقيقة لدعم الابتكار.

تعتبر التكنولوجيا الحديثة مسألة حيوية لاستدامة القوة الأمريكية، إذ تُعد ضرورية لتحقيق الأمان القومي. لم يعد تعزيز الأمن القومي يعتمد على القوة العسكرية فقط، بل يتطلب الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية في جميع المجالات، وخاصة في المجال العسكري. هذا الاتجاه مرتبط مباشرة بالتنمية المستدامة، مما يسهم في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز الهيمنة العالمية.

في ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2022، التي تُقدر بـ 715 مليار دولار، تم تخصيص ما بين 40 إلى 50 بالمئة للابتكار التكنولوجي، لدعم تطوير أسلحة وبرامج دفاعية عبر البر والبحر والجو.

يُلاحظ أن بعض الجامعات ومراكز البحث الأمريكية بدأت بالتعاون الاستراتيجي مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع، لتعزيز الابتكار التكنولوجي. تم أخذ أولويات هذه الجهات بعين الاعتبار أثناء البحث، حيث توافق أهدافهم الاستراتيجية مع مجالات مثل تحليل الاستخبارات، والأمن السيبراني، ودراسات الإرهاب.

تسعى هذه المؤسسات البحثية إلى توظيف قدراتها في دراسة مجموعة واسعة من الموضوعات، مثل إدارة الأزمات والطب الشرعي، بما يعزز من قدرات الابتكار الوطنية. تعتمد هذه الأبحاث على دمج المعرفة الواقعية التي تمتلكها جهات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، مما يسهم في تحقيق تقدم ملموس في هذه المجالات.

لقد استخدمت الولايات المتحدة التكنولوجيا في العديد من النزاعات لتحقيق أهدافها، إذ تسعى لتفادي المواجهات التقليدية التي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة. تركز الحكومة الأمريكية على الابتكار التكنولوجي لتعويض أي نقص في القدرات العسكرية. من خلال استخدام التقنية، تتمكن من تعزيز الأداء القتالي والقدرة على اتخاذ القرار وتقليل المخاطر البشرية.

بينما يتزايد التقدم التكنولوجي، يُصبح الأمن القومي أكثر تعقيدًا، خصوصًا في منطقتنا العربية التي تواجه تحديات عديدة. تظل مسؤولية الدفاع عن الأمة ضد التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود من المهام الحيوية التي لا يمكن تجاهلها. لهذا السبب، أصبح تعزيز القدرات التكنولوجية مسألة حيانة قومية في دولنا العربية.

يجب على حكومات الدول العربية، وخاصة وزارات البحث العلمي والاتصالات والدفاع، توسيع وتعزيز قدراتها في ادارة الأدوات التكنولوجية. من المهم أن تسعى هذه الوزارات نحو تحقيق الاستبصار الاستراتيجي والابتكار التكنولوجي لتحسين الأمن القومي.

أ.د. غادة عامر
أ.د. غادة عامر

الأستاذ الدكتور غادة عامر هي وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، ومدير مركز الابتكار وريادة الأعمال.

في أكاديمية البحث العلمي في مصر، يشغل المتحدث منصب مدير مركز الابتكار وريادة الأعمال بجامعة بنها. هو أيضًا المؤسس والرئيس التنفيذي لمختبر الابتكار ASTF، بالإضافة إلى كونه الرئيس السابق لقسم الهندسة الكهربائية في جامعة بنها والمدير التنفيذي للأوقاف العالمية. تم اختياره كأحد أعضاء لجنة تحكيم جوائز “رولكس” للابتكار في سويسرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى