Register To WDS
ترجماتمسار عبد المحسن راضيمقالات رأي

الناتو في العراق: هل نحن أمام فصل آخر من مأساة أفغانستان أم دروس مستفادة؟

مسار عبد المحسن راضي

تشير الأنباء إلى ارتفاع عدد قوات الناتو في العراق إلى أربعة آلاف. هذه الزيادة تعكس عجز “رجال التوضيح”، الذين وصفهم الإعلامي العراقي أحمد علي بأولئك الذين يكررون المعلومات المتاحة من دون إضافة قيمة حقيقية. البيان الذي يرد على هذه الزيادة يعكس استراتيجية تمزج بين الدبلوماسية والتهديد باستخدام القوة، حيث أصبحت جزءًا من خيارات الحلف العسكري في العراق، وفقاً لرسم قمة روما عام 1991.

العراق والناتو: يونيفيل أوروبي في معسكر تدريب؟

يبدو أن تلك القوات الدولية، التي توضع على الطاولة العراقية، مدعومة من واشنطن وبروكسل وطهران، تتجاوز قدرات المطابخ الأوروبية. حيث اعتبر بعض الخبراء أن واشنطن هي من ستدير المسرح العسكري، في إطار ما يسمى “قيادة من الخلف”.

تسعى الخطوط العريضة لعمل الناتو في العراق إلى استحقاق دور اليونيفيل في المهام التنفيذية. فالأشكال المعتمدة ستكون نمطاً أوروبياً وليس أممياً، وستتبع استراتيجية مرنة تتغير بناءً على خريطة التوازنات بين القوى المتاحة.

تعتمد القوات الخاصة العراقية على نظام موثوق لتأمين حركة القوات في العراق، حيث ساهم الناتو بتدريبها منذ عام 2004، مؤمناً عدم عودتها إلى وضعية قديمة عبر العديد من الاتفاقات الاستراتيجية.

تحتوي القاعدة العراقية على إمكانيات لوجستية تعكس أهميتها في نطاق الناتو، حيث تظهر كمركز عمليات حيوي في منطقة حرة. هذه القاعدة ستكون قادرة على دعم الأنشطة الجيو-استراتيجية على مستوى إقليمي ودولي.

تجربة الناتو في العراق تتضمن تحديات فريدة، مختلفة عن التجربة الأفغانية، حيث يتوقع أن يسمع صوت قادة عسكريين مُعينين بدقة، لضمان التعاون بين الحلف والقوى العراقية في تحقيق أهداف محددة.

اجتماع حلف الناتو – يورونيوز

الأهداف الأساسية لتلك المهام لن تقتصر على تعزيز نفوذ واشنطن أو طهران، بل تهدف إلى تطهير البيئة العراقية من تأثيرات طهران، مما يستدعي التخطيط لتنفيذ استراتيجيات فعالة على الأرض.

يعتبر “الطرف الثالث”، وفقاً للرصد الميداني في العراق، نتاج أسلوب مركزي تعمل من خلاله الميليشيات العراقية الموالية لإيران. يظهر ذلك كما لو كان هؤلاء الأفراد فرقة مسرحية تجسد “الطرف الثالث” في دراما دموية، دون أن يستطيعوا أداء أدوار أخرى. قد يتعرضون لاحقاً لعقوبات جنائية أو عمليات تصفية جسدية، مما لن يلفت انتباه وسائل الإعلام.

تحتاج واشنطن أيضاً إلى تحديث استراتيجيتها في التعامل مع العقوبات، بعيداً عن الأساليب القصوى التي تشبه منجنيق العصور الوسطى. يجب أن تعكس إجراءاتها فرصًا حقيقية لتحسين العلاقات بين الأطراف المتصارعة، خاصة بين الجماعات التي تواجه مخاوف حقيقية من تأثيرات واشنطن وطهران، وصولًا إلى تحقيق بيئة أمنية مستقرة وهشة حتى يتم تحقيق التوازن المطلوب.

الناتو 2030: استراتيجية جديدة لتحديات القرن الحادي والعشرين

أحد قادة الناتو السابقين أشار إلى أن إدارة بايدن مصممة على الالتزام بمعدل 2% من الناتج القومي الإجمالي كاستثمار عسكري من قبل الدول الأعضاء. هذا الالتزام يعزز الشراكة بين واشنطن وبروكسل ويضمن عدم وقوع القوى الصاعدة مثل بكين في فخ التوترات التاريخية بين القوى المتناقضة. ومع ذلك، فإن بروكسل لا تتقبل دائمًا التغييرات التي تقترحها الولايات المتحدة لمواجهة هذا التحدي المتزايد.

هوس واشنطن بالصين أدى إلى وضع بكين في موقع مركزي ضمن “استراتيجية الناتو 2030”. يُظهر هذا التوجه أن بكين ليست مجرد نقطة اهتمام، بل تُعتبر منافساً نظامياً. يبدو أن رعاية النظام الدولي تُجسّد في العلاقات المتعددة التي تطرقت إليها هذه الاستراتيجية، رغم أن الصين لم تكن محوراً في المفاهيم الاستراتيجية السابقة.

بروكسل تنظر إلى بكين اليوم كمنافس يحمل العديد من صفات الاتحاد السوفييتي السابق. هذا الإدراك يخلق ديناميكية جديدة توحد جهود الحلف في مواجهة التحديات المشتركة.

من الأمور المهمة التي يتوجب فهمها حول تعاطي الناتو مع الصين هو أن الهيكل الاستراتيجي للحلف يستند على معاهدات وتحالفات تعمل على حماية الديمقراطيات. يجب أن يُدرك الناتو كيفية التأقلم مع التغيرات العالمية والابتكارات التي قد تأتي من بكين.

التحديات والفرص أمام الناتو في العالم العربي

تعتبر العيون الاستراتيجية للناتو أن الأمن العسكري لدول الخليج العربي والعراق يُقدّم فرصاً مثيرة للحلف لتعزيز وجوده في المنطقة. يُظهر هذا الحضور قوة لدول الحلف قبل أن يتم التعبير عنه في الإعلام.

يمكن لدول الخليج أن تُساهم بميزانية تقارب 90% من ميزانية الناتو الحالية، بما يعادل 130 مليار دولار. إن رفع هذا الرقم إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2024 يُعتبر هدفًا عملياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدد القوات في بغداد، الرياض، مسقط، الدوحة، أبوظبي، المنامة، والكويت يتجاوز بأكثر من 20 مرة القوات السريعة للناتو.

هذه العواصم، بفضل علاقاتها القوية مع مختلف النخب العربية، لديها القدرة على تعزيز استقرار المنطقة وتقديم إشارات إيجابية للأسواق العالمية.

تُعزز هذه الديناميكية من قدرة القوى الإقليمية على تعويض أي فترات دبلوماسية ضائعة، في لعبة التوازنات الإقليمية والتحالفات الدولية.

لكن هذه الصورة المثالية لا تعكس الواقع، حيث قوبلت المبادرة التركية للتعاون برفض من الرياض وعمان، اللتين اختارتا أن تبقيا كأعضاء مراقبين. المشكلة الكبرى تكمن في التهديد المتمثل في الهيمنة الإيرانية وطموحات إسرائيل للتوسع تحت مظلة النووي.

العراق يمثل تحدياً كبيراً في تصور الأمن الخليجي، إذا كان من المتوقع أن يلعب الناتو دوراً أمنياً في المنطقة. يتطلب ذلك علاقات جيدة مع مؤسسة الحشد الشعبي، التي تتضمن علاقات سرية مع الميليشيات العراقية الموالية لإيران، المعروفة في الإعلام العراقي بـ “الفصائل الولائية”.

تتمثل المشكلة الأساسية لأهداف الناتو في منطقة الشرق الأوسط في اعتبار إيران عدواً يغذي مناخ التوتر الأمني والعسكري الضروري لقبول التحالف، مع التفكير في جذب إيران بعيداً عن بكين وموسكو.

لقد استجابت طهران لهذا التوجه. لنكون أمام نوعين من الناتو: الأول هو الناتو “الميليشياوي” الإيراني الذي يسعى للحصول على نفوذ كبير، والثاني هو الناتو الأطلسي، الذي لم يستقر بعد على معادلة متوازنة في سياساته الخارجية. تتمثل عناصره في رؤى شخصيات تاريخية مثل نيفيل تشامبرلين وشارل ديغول، بالإضافة إلى الاعتماد على التقاليد البريطانية في السياسة الدولية.

مسار عبد المحسن راضي
مسار عبد المحسن راضي

كاتب محرر في صحيفة العراق اليوم، ومعد ومقدم للعديد من الحوارات السياسية والتحليلات الاستقصائية. مهتم بالشؤون العراقية والإيرانية وتوازن القوى في الشرق الأوسط، ويكتب في وسائل الإعلام المختلفة، ولديه اهتمامات أدبية، حيث أصدر مجموعتين قصصيتين، ويستضاف بانتظام في القنوات الفضائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى